-المفهوم الأول:ـ
الإنسان محدود القدرات، ونسبي في الأخلاق، والأعمال، ولهذا أراد الله أن يعلمنا وجوب تفويض مالا نعلمه إليه سبحانه، أو نسأل أهل الذكر، والاختصاص، وقد جاء في الأثر عن رسول الله قوله: (إن رجلاً من بني إسرائيل، سأل موسى على ملأ من الناس، هل تعلم أحداً أعلم منك؟ قال: لا، فأوحى الله إليه بل عبدنا الخضر أعلم منك)، وهذا إرشاد لنا أن نقف عند الشيء الذي لا نعلمه المواقف العلمي، والمنهجي، ولا نجازف، ونتكلم بما لا نعرف، ونتخذ مواقف، أو نصدر فتاوى، أو نوقع ضد الآخرين، أو على وثيقة بدون إعمال أسئلة الفهم، والتبين، والتوضيح، مثل: لماذا؟ من المستفيد؟ من المتضرر؟
بين من ومن؟ ومتى؟ والى متى؟
وعلينا أن نتحرى، ولا نتطاول، فيما لا نحسن، وجاء في الأثر (رحم الله امرئ عرف قدر نفسه)، واليوم وسائل التواصل سهلت وسائل المعرفة والتبين فلا عذر لنا..

-   المفهوم الثاني:ـ
نفهم من رحلة موسى والخضر أن موسى وقف موقف المتعلم، والخضر وقف موقف المعلم، مع أنه لا خلاف في أن موسى أفضل من الخضر، لأنه رسول، والخضر نبي صالح، وهذا يدل أن [معيار العلم والفهم والإحاطة] معيار لترشيح القيادات وأنه معيار فوق الجميع، وكذلك يدلنا على أن قيادة أي عمل تمتلك من المعلومات والموازنات في اتخاذ القرارات مالا يمتلكه الأفراد، وكذلك فيه حث على أن نُرجع في معرفة مالا نعرفه إلى أهل الاختصاص، في اختصاصهم لقوله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)..

-   المفهوم الثالث:ـ
اشترط الخضر على موسى أن لا يعترض على تصرفاته، حتى يخبره بنفسه فوافق موسى، والتزم كطالب علم للاستفادة، ومعرفة الخير، وكان تأكيد الخضر له أنه لن يصبر معه فأكد موسى أنه سيصبر، وقال:[ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمراً]، ورغم التزام موسى، إلا أن موسى لما لم يكن يحيط بالأمر وليس لديه معلومات، لما رأى من خرق السفينة أنكر، فذكره الخضر بالشرط ولما قتل الغلام أنكر، فذكره بالشرط ولما بنى الجدار لقرية البخلاء أنكر عندها أخبره الخضر بنقض الاتفاق والفراق، ثم بين له الأسباب، والمبررات التي لا يعرفها موسى، ثم فارقه لعدم قدرة موسى على التزام الشرط وموسى كان ينكر كواجب شرعي بما يعتقده، أنه مخالف لشرع الله، وعدم السكوت عليه، مادام ذلك ممكناً وكان ينسى الشرط..
 وهنا نفهم بأن العمل التعاقدي له ضريبة الالتزام بالشروط، فمن لم يستطع الالتزام فله الحق أن يخرج من التعاقد...

-   المفهوم الرابع:ـ
موسى أعطانا درساً وقدوة أنه إذا شاهدنا المنكر وجب علينا إنكاره وكذلك أعطانا درساً أن لا نقدس الأشخاص، أياً كانوا، إذا ارتكبوا أخطاء محرمة، وليست في إطار الموازنة بين المصالح والمفاسد، والخضر أعطانا درساً بأن قادة الأمة قد يتخذون قرارات في إطار الموازنة بين المصالح والمفاسد، وقد تكون في نظر العوام جرائم، وأخطاء ولكنها في إطار التضحية بالمصلحة الصغرى، للحفاظ على المصلحة العامة الكبرى...
اللهم وفقنا للتوازن في الفهم والقول والعمل