لا أعتقد أن تجدوا شعباً صبوراً ومتحملاً لفسادكم كشعب اليمن، شعب يستقبل الضجيج وقضايا وفضائح ببرود لدرجة أنه أصبح متعوداً على الاستقبال والنسيان، شعب شاكي باكي ولحقوقه ناسي ومخلص للزعماء والأصنام، ضيق الاختيارات، لازال يعيش في القبيلة والعشيرة، مع وجود وعي نسبي ومواقف طيبة ووطنية حقه من البعض، لكنهم يواجهون هجمات شرسة ورياح عفنة.
كان الرهان ولازال على عدن، بحكم الوعي والمدنية، واختلطت بشوائب قادمة من خارج عدن، وفيها من الخذلان، راهنوا عليها وأعلنوها عاصمة لليمن الجديد والمناطق المحررة وعاصمة الجنوب الحر، وهي لم تتحرر بعد من آثار الحرب و تتجاوز محنها، فيها سخط مما يحدث، لكنه ممزوج بالضحك والفكاهة والسخرية، لم يصل بعد لسخط شعبي منظم ضد المسؤولين عن شؤون مدينتهم ضد المعني عن إدارة خدماتهم، كهرباء، صحة، تعليم، رواتب، والوضع المخزي للمتقاعدين، في هذه المدينة جهوداً تبذل في أمنها ومحاربة الإرهاب يشكرون عليها ولها ثمارها، لكنها في المقابل بائسة ومهملة في جوانب عدة من خدمات المواطن، من تطبيع حياة الناس، من احترام النظام والقانون وحقوق الآخرين، من محاربة الفساد والفاسدين، يكفي سخطاً على مسؤوليها من إذلال للمتقاعدين، معانات الناس من الكهرباء، التي أرهقتنا وعكرة صفوة حياتنا وجعلتها جحيم، ما لذي يحدث؟ وأين هي مردود الأموال التي صرفت وتصرف في هذا المجال ومجالات عدة .
مع خروج المصليين من المسجد، صرخ بأعلى صوته، لماذا هذا السكوت أخواني، لماذا لا تقولون كلمة حق في مسؤول خذلنا، وتساهمون في إيقاف ما يحدث، فهاجمه البعض، وسخر منه البعض، واتهمه البعض بالتحريض وتهييج الناس، وأوجد البعض مبررات لا تحصى لتبرئتهم، والحقيقة لو قدم مسؤول استقالته مع توضيح أسباب فشله وإعاقة عمله لاحترموه، فذكرني ذلك الساخط بالثلايا، أراد لهم الكرامة والخير فلعنوه.
معضلتنا الحقيقية في الكادر من القمة للقاعدة، مشكلتنا الحقيقية أننا ثرنا ضد واقع وضد ثقافة نرسخها اليوم بصورة اللعن مما كانت عليه، ما الذي تغير الأسماء والملبس، لكن المعنى والثقافة يشبه ماضينا إن لم يكن تفوقنا عنهم بما هو أسوأ، لازلنا نغيب الحقائق ونمارس الإشاعات بل نتعامل معها كحقائق وهي الجريمة الكبرى التي يمارسها البعض، اليوم رسخنا وبجدارة المناطقية وحافظنا على الفساد والفاسدين وشرعنا له، لماذا؟ لأن عيوننا على الماضي نبني عليه اختياراتنا ومواقفنا، لم نتجاوزه بعد وننطلق للحاضر للولوج للمستقبل، لازالت صراعات الحقبة السيئة في حياتنا قائمة لازلنا نمارسها في التعيينات في التقييم في التكريم في صرف صكوك الوطنية والنضال والمقاومة، لازال هناك مظلوم وهناك ظلمة، لازال هناك من يرى أنه على حق ليدوس على الآخر، لازال فينا متهم أمام قاضي وجلاد في نفس الوقت، لازلنا بعيدين عن الاعتماد على القضاء والنظام والقانون في حسم خلافاتنا، لازال المتهم متهماً دون أن تثبت إدانته.
كل هذا ونحن شعب شاكي باكي، نردد ما يراد لنا أن نردده، لا نتفق على الحق، بل تجمعنا مناطقنا وأعراقنا، ولا نقف في كلمة سواء ضد الباطل، فكل له باطل بسمات سياسية فكرية وتوجهات مشبوهة، بينما الباطل بائن والحق ظاهر، لكن يراد لنا أن نتوه عنهما، شعب موجوع بائس وتعبان، إذا أريد منه أن يخرج ليحمل صور أصنام بشرية ينهض كالثور، لكن إن طلب منه أن يخرج ليزيح عنه بؤسه ونكده وتعبه، يتململ ويتردد ونختلف في هذا، حسب المسؤول ومنطقته وتوجهه وطائفته، عند الاختيار الصعب بين الوطن وتلك الصغائر يختار البعض الصغائر.
عدن اليوم تعيسة، لأن فيها جور وظلم وأضح للأعيان،في الشارع العام ترى المتقاعدين بمناظر بؤس وشقاء وعذاب، نساء ورجال مهانون متسولون حقوقهم ورواتبهم ممن لا يرحمون ضعفهم وشيخوختهم وأجسادهم المنهكة والمثخنة بالأمراض، عقاب وحرب نفسية واجتماعية تديرها أياد خفية لتنال من هذا المجتمع والشريحة التي تحتاج منا الرعاية والاهتمام التي تستحق الحياة بعد عناء، بعد أن كانت يد تبني وتشيد، وعقول ترسم وتخطط للمستقبل، شريحة تحملت وصبرت، وتقاسمت لقمة العيش مع الآخرين في أحلك الظروف، مرت على رؤوسها حروب ونكسات وأزمات، شريحة ممن تحملوا عبء مسؤولية وطن بعد ثورات تحررية سبتمبر وأكتوبر، منهم ثوارها ومنهم أدواتها ودعاتها وحماتها، شريحة أنهكها الزمن والشيخوخة نعاقبها اليوم بعمد وإصرار، المسؤولون المباشرون هم الهيئة العامة للمعاشات والتأمينات، من يديرون شؤون هذه الشريحة وأموالها، متى سيأتي يوم الحساب والعقاب، فالفساد ينخرها والإهمال وعدم المبالاة تسبب في موت وانهيار الكثير من المتقاعدين.
مشكلتنا الأساسية في الوعي، وعيك يحررك من كل تلك القيود والصغائر، لترى أمامك وطن وحق، ودونهما باطل، لتقول كلمة حق في وجه سلطانا جائر كان قريبا منك أو بعيد عنك دون أن تبحث في جيناته وسلالته وعرقه، الوطن هو الأغلى والأهم، والله الموفق..
أحمد ناصر حميدان
عدن..سخط من الواقع 1366