معالم التخلف هو التملق وهو مرض اجتماعي قديم، منذ العصر الجاهلي عندما كان الشعراء يتملقون لبعض الحكام في سبيل الحصول على بعض الدنانير.
و بمرور الزمن، تطور هذا المرض وبدأ يتغلغل في المجتمع، لازال اليوم مرضا عضالا يعاني منه مجتمعنا، نرى التملق بشكل مختلف. هذا المرض في عصرنا أصبح أكثر شدة وأكبر خطورة، كلما تربع مسؤول سلطة نسجوا حوله بطانة من المتلقين والمنافقين، يصفقون له ويطلقون الهتافات باسمه، وإن صرح تصريحاً ما، كتبت أقلامهم عن ذلك المقالات والشعر والنثر، يدفعون بعدد كبير من العامة لينجر خلف مخطط صناعة طاغية وصنم للعبادة، ليعطل القانون والدستور والقيم والمبادئ ويبقى ذلك الصنم هو صانع المنجزات والعقل الذي يرسم مسار المرحلة، وإذا بنا في بيت الطاعة وتحت الأقدام، خداما للفساد مدافعين عنه وعن جرائمه..
إنها البطانة، التي تنسج خيوطها حول هذا المسؤول، ليكون تحت خدمة مصالحها، ويصورون له شياطين ومتآمرين، لتحييد الأخيار والشرفاء والوطنيين من الناس وبناء سور بينه وبينهم، يتمسكنون حتى يتمكنون ويتملكون صلاحيات واسعة، وإذا بهم أوصياء في تقرير مصير الأمة، ويتشكل منهم لوبي الفساد والنفاق، ليمتص رحيق خيرات الأمة، ويعكرون صفو الحياة، فتزداد المعاناة وينهك المواطن ليصبح سهل المطية والطاعة العمياء، باسم الوطن والمصالح العامة والقضية، فيصنعون واقعا رديئا يخدمهم وسط بيئة مريضة تساعد على تربعهم، بيئة لا قانون ولا دستور ولا دولة أو حتى شبه دولة فيها.
بيئة فاسدة ينمو فيها لوبي الفساد، بل ويتفاخر بفساده، فساد يرفعهم لمرتبة مناضلين وقادة، تفوح روائحهم النتنة في مجالات الحياة، سياسية واجتماعية واقتصادية، ويعم الجهل والغباء، كل هذا في محيط يسمح بتمكين الجاهل، فتجد الجهل ينتشر في أماكن كثيرة كواعظ اجتماعي أو ديني، تجد الجهل قائدا عسكريا أو سياسيا، والخبرات والمؤهلات مهمشين مقصيين في البيت نيام (خريجي أكاديميات عليا في أرقى الدول، يقودهم جاهل أمي في العسكرة )، وهنا المصيبة قيام الجاهل بتجاهل جهله وامتلاكه وفراً من الجسارة ما يجعله لا يضع أي اعتبار لضرورة وجود مؤهلات خاصة، لا يهتم لها في الوظيفة والمسئولية، فلا تستغرب أن أصبحت بعض المنصات الاجتماعية أو الإعلامية يعتليها جهلاء، بيئة فيها كل شيء معقول ومقبول، لم يعد للمهندس والمهني لزوم ولا للدكتور مكان، فيمكن أن يعين أياً كان ليملأ الفراغ، بمواصفات الجهل وغرائب الجماعة، وهنا تكمن الكارثة، جسارة الجهل وتأثيره على أصحاب العلم والكفاءة، وبالتالي نجد أن هناك من يترأس جهازاً أو من تُفتح له المجالات ويتم اختياره بلا مؤهلات حقيقية ولأسباب ومبررات يخجل العبث منها ولكنهم لا يخجلون.
كل هذا يحدث عندما تتلوث البيئة الاجتماعية بفيروسات تدعم هذا المرض، إنها المناطقية والطائفية، العرق والسلالة، عندما يتحول السياسي لمختبري في فحص الجينات، (هذا من فين وذاك من وين)، ويتم تفصيل الوظيفة للشخص، دون أن يكون الشخص المناسب في المكان المناسب، هكذا يتم تخريب المجتمعات، والقضاء على الثورات، وتفكيك أواصر المحبة والوئام، وشرخ البنية الاجتماعية، وقتل اقتصاد البلد، وتحطيم أركان البنية الوطنية لينهار كل شيء على رؤوس الجميع، ليزداد الفقير فقراً والثري ثراء، بل المسؤول ثراء، لتكون الوظيفة مغنما لكل من يريد الثراء، وبقدرة قادر يتحول لرجل أعمال.
نفتقد للشعور بالتغيير، لازالت روائح الفساد تفوح وأكثر نتانة، وهي المعاناة اليومية وفقدان أبسط سبل الحياة الكريمة، لا يمكن أن نقول إن هناك تغييرا وتحولا منشودا، دون محاربة الفساد، عندما يخجل المنافق من مواقفه في مساندة الفاسدين ورفضه لتقبل النقد، وإعاقته كشف الفساد والفاسدين والمتلاعبين بقضايا الناس وخيرات البلد، التغيير يبدأ بالذات ثم المجتمع والأمة،عندما نرى الجميع صوتاً واحداً وصفا واحدا ضد كل فاسد كان قريبا أو بعيدا منك، وبمجرد ما أن يعلن عن فاسد نجد الجميع يطالب بمحاكمته والتحقيق لمعرفة حقيقة فساده بنزاهة وشرف وعدل، لا يمكن أن يحدث تغيير دون تفعيل القضاء والنيابة وأجهزة الرقابة والمحاسبة، بقرار رفيع وعالي المستوى ملزم للجميع بحيث لا يكون هناك مظلوما ولا ظالما وفاسدا ومجرما يتسكع طليق في الشارع، وهذا لا يمكن أن يتم دون تعافي الوطن من مرض النفاق والتملق والتخلص من بطانة السوء.
أحمد ناصر حميدان
فساد بطانة السوء 1391