أصابهم الغرور، ورفضوا صوت العقل، واعتقدوا أن البندقية ستخضع الجميع لهواهم، سيفرضون على الجميع مشروعهم كأمر واقع، ركبهم الغرور واعتقدوا أنهم انتصروا على الكل، فهددوا وتوعدوا.. غرورهم أغرى الحاقدين والكارهين للآخر، فركبهم وهم الانتقام و حصدهم الأرض من المختلف، غرور الجهلة والحاقدين أفاه تصيب شخصا أو نظاما أو مكون أو طائفة أو منطقة تجعله يشعر بتضخم الذات وعظمة التفرد والزهو والنقاء العرقي، فيصاب بالخوف والتوجس من التوازن والتنوع الفكري والثقافي والتعايش الإنساني بالشك وعدم الثقة بالآخر ونظرية المؤامرة في الداخل والخارج، مرض ينخرهم ينخر المجتمع فينفرد كل من حولهم حتى يقعون في شر أعمالهم .
صحيح في البداية كان الغرور في أوجه، وبدأت نشوة الزعيم الملهم والقائد المغوار والسيد والقناديل والزنابيل والحق الإلهي والمركز المقدس والطائفة والمنطقة، والعرق المميز والتفرد، والدواعش والتكفيريين، واشتغل الكل على ذلك يحرض ويحشد ومزيدا من الدماء والدمار، والحرب التي تستدعي تدخلات وتحالفات داخلية أو خارجية، في الأخير هي حرب ولها تداعياتها ونتائجها، تفرض واقعها، من كر وفر ونصر وهزيمة، حرب المغرور الذي يقع في تكرار أعمال الخاسرين، من يخوض حروب بميزان ما يمتلكه من سلاح وقوة، دون مراعاة للحق من الباطل، فينتكس، و الموازين تتغير وفق ميزان الحق ضد الباطل، فالحق يكتسب قوة كلما اشتد الظلم عليه وفُرض أمراً واقعاً يلغيه، إنها نكسة بحجم فداحة المصاب ونتائجه تفيق المغرور من غروره .
عامان كانت كافية ليعرف الجميع حقيقتهم وزيف ادعائهم، تمددوا بتسهيل خنادق الماضي البائس، فتح لهم مجاريه ليغرقوا في وحلها، وعند الشعور بالخطر هم الرجال والأحرار وبدءوا بالانكماش و كل يوم يفقدون مواقعهم وتنهار قلاعهم، وانكشفت أسطورة حمران العيون، ليعودوا توابيت، نسمع نواح الثكالى والأيتام والآباء والأمهات في قراهم ومدنهم وتوسعت في عهدهم رقعة المقابر، اليوم تضيق بهم الأرض ويرفضهم الإنسان، هم مصدر المعاناة والغم والهم، ينهبونك ويجوعنك وينتهكون كرامتهم ويطالبونك بالصمود، بحجة تربص العدو والعدوان، وكأنهم ملائكة الرحمان، وهم مصدر كل بلا وبلية وأذى وأذية، الشرعية- رغم ضعفها والسوء العالق بها- إلا أن الحق قوتها، وهو مصدر نصرها، يمر الزمن ويظهر الفرق بين انهيارهم وتقدم الشرعية في الجبهات والميدان تباشير النصر المؤزر بإذن الله .
قرار تحويل البنك المركزي لعدن هو الصائب والقشة التي قسمت ظهر البعير، انكشف فسادهم وأنانيتهم، لم يستطيعوا الإيفاء بالتزاماتهم تجاه المواطن وسقطت مبرراتهم الواهية، عندما التزمت الشرعية بدفع الرواتب، اليوم هم في موقف مخزي ومحرج بين صرف الرواتب من الشرعية لكل موظف يمني أينما كان، وبين منع هذا الصرف، ورفضهم تقديم الكشوفات وحجز المعلومات، وتهديد مراكز الصرف، لم يعد يبالون بالمواطن والهم العام ومعانات الناس،كل ذلك يضيف من حجم جرائمهم ومساؤهم بحق الوطن والمواطن المفقر والأسر الجائعة بفعل حربهم العبثية .
عرف المواطن البسيط أنهم الداء ويرفضون الدواء، ويمنعون العلاج على كل محتاج والغذاء لكل جائع والماء لكل عطشان والمال لكل فقير ومنهار، داء وباء لابد من استئصاله من على كاهل الوطن والمواطن، وتجريده من القوة والجاه ومخالب غروره، ليعرفوا أن اليمن عصية وشعبها حر أبي بلد الحضارة العريقة والتاريخ العظيم لا يحكمه أوباش وعصابات، غير آبهين بالثورة والجمهورية والتعددية والديمقراطية والشراكة والتعايش، وحرية وكرامة الأخر والعدل والمساواة، ليعرفوا أن تلك قيم الحق والرشد وصوت العقل والمنطق، وأن الوطن يتسع للجميع كشركاء متساوين بالحقوق والواجبات، وان القوة والسلاح أداة الدولة وفق قانون ودستور ينظم العلاقات ويحكم البلد .