لم تكن ثورة فبراير بنت يومها أو ليلتها، فهي ليست معركة حربية في جبهة ما، يحدد لها ساعة الصفر مسبقاً؛ ولا هي مرتبطة بفرد فتحسب له، ولا قام بها عدد محدود فتكون انقلاباً؛ ولكنها ثورة اتسمت بعمق شعبي ضارب في مختلف فئات الشعب، وتميزت ببعد وطني استقت منه مشارب الثورة اليمنية وثوارها عبر مراحل النضال الوطني الطويل ضد الإمامة و الاستعمار.
كانت ثورة فبراير 2011م. ثورة شعبية سلمية، خرج الناس لها برؤوس مكشوفة، وصدور عارية، وظهور تستند لنصاعة مطالبها، وترجو النصر من الله.
حاول المخلوع مبكراً؛ أن يوظف الفرز الطائفي، غير أن وعي الشارع أسقط ذلك التوظيف البائس بأسرع مما توهمه. لكن الطاغية لم ييأس، فدس من يصور الثورة من خلال مكينته الإعلامية الاستخباراتية وكأنها صراع بينه وعلي محسن وحميد؛ بهدف تقزيم الثورة؛ وليشوش على الساحات الثائرة بأن الموضوع ليس أكثر من تنافس بين مراكز قوى، لعله بذلك يكسب أنصاراً، ويحدث تصدعات في الشارع الثائر دون توقف، وفشلت محاولته هذه- أيضاً- بالرغم من ظهور أصوات تأثرت بإشاعات مخابرات المخلوع.
ولما لم ينجح راح يستعدي الخارج ويشنع على الإصلاح، ويخوف أولياءه منهم، ليس حباً ببقية الأحزاب والتنظيمات السياسية الأخرى، ولكنه ظن أنه قادر على أن يخدعها ريثما ينفرد بالإصلاح ثم يعود إلى القوى السياسية واحدة واحدة، وهنا أيضا لم يدرك غرضه؛ وإن تجاوبت معه بعض النفسيات التي توقف بها زمنها ولم تستطع أن تندمج مع التطورات والمتغيرات، أو تلك العقليات التي ترغب أن تسوق نفسها لدى الدوائر الغربية، فركبت موجة العداء للإسلاميين؛ لعل البضاعة الفاسدة تجد رواجا!
ولما أعيت المخلوع كل الحيل السابقة؛ راح يمد يديه ويحني ظهره للحوثي، حيث لم يكتف الطاغية اللئيم بمده بالأسلحة فقط، بل راح يسقط له معسكرات، أثناء الثورة الشعبية.
أجبرت الثورة الطاغية على التوقيع على الاتفاقية الخليجية، ومن يومها ذهب المخلوع يعزز تحالفه مع الحوثي، انتقاماً من الشعب اليمني كله بهدف تحطيم حاضر البلد ومستقبله؛ وقد رأى مشروع التوريث يتدمر تدميراً.
غير أن المؤسف هنا هو أن شركاء الثورة قرأوا -فيما يبدو لي- قراءة سطحية للواقع، فجرهم التنافس على (أكذوبة) التركة -التي كشفت الأيام أنها في الأصل ما تزال بيد المخلوع- إلى مربع المكايدات والمناكفات، وهنا حصل المخلوع ومعه الحوثي على ما لم يحصل عليه -رغم محاولاته- أيام الثورة؛ وذلك عندما تفرقت أيادي سبأ!!
لا يستطيع أحد أن ينكر أن التشفي والمناكفة كانتا سيدة الموقف، والمشروع الظلامي للحوثي والمخلوع، بدأ يهدد عمران، ثم يسقطها، ثم يقترب من العاصمة ثم يجتاحها... وقل بعد ذلك ما شئت!!!
لم يدفع الثمن، ولا تجرع المرارة المتشفى به وحده، وإنما دفع الثمن وطن وأجيال حاضراً و مستقبلاً.
ليس المطلوب اليوم ذرف الدموع، ولا نثر المبررات ولا هو مطلوب توجيه أي تهمة لهذا أو ذاك؛ لكن المطلوب هو الدرس المستخلص والمستفاد من مغبة القراءات السطحية ، وسذاجة بل غباء أداء المناكفات.
والسؤال اليوم هل ما تزال نفسية المتشفى، وعقلية المناكفات تعمل وتتحرك، فنمد العدو بعناصر قوة، مع أنه وصل إلى مرحلة اللا وزن، بل ويقف اليوم مترنحاً في كل الجبهات؟ أم أن علينا ألا نكرر عمل تلك النفسيات البائسة والعقليات الغبية.
تعالوا نرص صفاً واحداً، لهدف واحد فقط؛ دحر العدو واسترجاع الدولة. (ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) توثقوا من إيمانكم!