أمام الأهداف الكبيرة تتوارى الرغبات، وتتراجع المصالح الذاتية والحزبية، ويتم تناسي الهموم الصغيرة والشخصية، ويتجسد خلق نكران الذات؛ ليكون عاملاً داعماً، ومدداً مستمراً، خدمة للأهداف الكبيرة.
ذلك الأمر الحق، والشأن الطبيعي أمام مدلهمات الأمور، وللوصول إلى تحقيق الأهداف الكبار غير أنه لا يقف هذه المواقف الكبيرة إلا الكبار.
واليوم يقف الوطن، منذ أكثر من سنتين على حافة الخطورة؛ وهي الخطورة التي لا تستهدف فئة أو جهة، ولا حزباً بذاته، أو تنظيماً معيناً، وإنما الأدهى من ذلك، أنها تستهدف حاضر اليمن ومستقبله، كما تستهدفه أرضاً وإنساناً؛ ناهيك عن أن تهدده في حضارته وثقافته وهويته.
هذه حقيقة مسلّمة، ويسلّم بها الجميع في اليمن، وأمامها يفترض أن ينسي الناس أجمعون كل برامجهم وخططهم، ويشطبون خلافاتهم وتبايناتهم، وينصرف الجميع للهدف الأسمى والأكبر؛ وهو تحرير اليمن وإلحاق الهزيمة بالمشروع الظلامي للحوثي والمخلوع.. لكن المكايدات الساذجة؛ ومناكفات الصغار في الميدان تجر بعض الكبار -أو من نظنهم أنهم كبار- إلى وحل المكايدات، ومستنقع المناكفات.. فالصغار في الميدان يتنافسون فيما بينهم تنافساً يومياً حول كل شيء، ويدخلون في تفاصيل الشيطان الدقيقة؛ مثلا: حول بيان ومن سيقرؤه؟ وتصريح صحفي ومن سيتصدى له؟ إضافة إلى احتكاكات تحدث بين الأمثال، فتتحول هذه السذاجات إلى مادة تعبوية لدى أفراد هذا التنظيم؛ ضد حزب أو تنظيم آخر، فيتناصر بعضهم لبعض بحق وباطل.. وتبقى الأمور تحت السيطرة ما دام ينظر إليها على أنها تنافس بين الأقران، وفتية يغلب على (بعضهم) الحماس؛ لكن المشكلة حين يتحول هذا التنافس (المراهق) إلى مادة تعبوية تستجيب لها بعض القيادات، وهي هنا أشبه بعراك الأطفال الصغار من الجيران، فيتعامل معها العقلاء بالشيء الطبيعي؛ لعلمهم أن هؤلاء الأطفال سيختلفون الصباح وسيلعبون سويا عند الضحى؛ بينما بعض الجيران، ينزلون إلى مستوى أطفالهم فيجعلون من خلافهم خلافاً يصل أحياناً إلى حمل العصي وامتشاق السكاكين! وربما ما هو أكبر.
وحين يصل البعض إلى هذا المستوى، فإنه يكون مستعدا في تعصبه لتقديم الانتصار للذات، أو للجهة، أو للحزب ولو كان على حساب الهدف الأكبر؛ ذلك أن هذه النوعية من القيادات - وقد قلنا البعض - لا ترى حينها إلا تصفية الحسابات الساذجة، أو الانتقام للذات.
هذه مواقف تكشف حقيقة حب ليلى من عدمه! وكل يدعي وصل بليلى.. أو تكشف حقيقة حب الوطن والتسامي إلى مستوى الأهداف الكبيرة، أو السقوط إلى مستنقعات الفتات، وهباب المصالح الصغيرة والمتناهية في الصغر.
ما أحوجنا إلى الالتفاف حول الهدف الأكبر والجامع وهو تخليص البلد من المشروع الظلامي، ونؤجل كل ما عدى ذلك إلى ما بعد التحرير واسترجاع الدولة.