ها قد صارت الحرب تحبو كطفلةٍ كسيحة، أضحتْ المعركة ذاوية، وتجلّى الكفاح أعرجاً يخطو بعكازين، تتخطفَه أشواكَ الجبل حيناً ويتعثرَ بحصى الوادي حيناً أخرى، لا يوجد ما هو أكثر رعباً من الحرب سوى أن تكون حرباً معلقةً بلا أرضٍ ولا سماء، تغدو مصائرنا رهينة بمزاج الغِلمان، لا هم الذين أنقذوك ولا هم الذين تركوك تموت، هكذا أنت شاحبُ يقفُ على الجدارِ الفاصل ما بين جحيمين .."
شعبُ بكامله على الصراطِ، أفواجُ من البشرِ عالقين على شفا الهاويةِ، تلفحنا النيرانُ بلا أفقٍ قريب للنجاة، هذه أمةُ تنازعُ أسوأ أقدارها منذ قرون، عصابةُ عمياء تواصلُ الركضَ نحو خنادقِ الموت بنشوةٍ وجُنون مخيف، وتحالفُ الأعراب يتلوي حول ذاته كل ليلة، يتقدمُ خطوتين ويقف شهراً، وما بين هذا وذاك مجتمعُ يتقنُ فعل الحشرجة وليس بوسعه فعل الكثير..!
نحن نبحثُ عن الخلاصِ بأي ثمنٍ كان، يُرهقنا الوقوف تحت سقفٍ من موت وعلى ترابٍ من نار، كلّ يومٍ يتداعى الوجدان الوطني المقاوم، يتقدم بنا الزمن ونخسر يقيننا بجدوى التضحية، نفقدُ شيئاً من إيماننا بحُلم الدولة التي دفعنا ثمنها لحمُ ودم، حين يشعر المجتمع بتراخى معركة التحرير يتساقطُ روحياً وينزف المعنى داخله، ويغدوا مناضلاً مسكوناً بالخراب، هزيلاً ينتظرُ الموتَ بأكثر مما ينشد الحياة..!
تلك لعنةُ الحروب المتخثرة التي يجبُ الإفلات منها، علينا الدفع بالنضال بحرارة واشتعال كبيرين، لنكسبُ بهذا التهاب روح الأمة وبقاء الحُلم زاهياً على امتداد زمن المعركة، وبدون هذا نخور وندفع أثمانا باهظة على صعيد الروح والجسد.
