حين يستهدف شعب في حاضره ومستقبله، وفي هويته وثقافته، وتستهدف مع ذلك حياته؛ فإنه لا تغنيه دموع الثكالى، ولا يفيده صمت الخائرين، بل إن هذه المشاهد تمد المعتدين بالغرور، وتغريهم بمزيد من التنكيل، فلا أوقح من غرور الجبناء؛ إذا وجدوا أمامهم نفسيات ضعيفة، فهناك يكون العنت والاستعراض؛ شأن الجبناء في كل زمان ومكان:
وإذا ما خلا الجبان بأرض
طلب الطعن وحده والنزالا
بيد أن الشعوب الحية، لا تعول على النفسيات الرخوة، التي همها فقط: (دعونا نأكل عيش)، ولو على حساب الكرامة والعزة والشرف؛ لدى بقايا موائد الطغاة المتجبرين.
إن من يصنع الغد المشرق اليوم لليمن واليمنيين هي خطوات المرابطين في مواطن الشرف، ومواقع العزة، هناك حيث الصمود الأسطوري، رغم شحة الذخيرة، وقلة الفطيرة، كما هو حال بعض الجبهات في تعز!
من ينسج خيوط الفجر القادم، هم الذين يسفكون دماءهم، ويبذلون جهودهم، ويقدمون أموالهم وأرواحهم من أجل حريتهم وهويتهم وكرامتهم؛ وليس الذين يذرفون دموعهم، وينتحبون يأسا وهلعا ولا يرتقي بالطبع أصحاب شعار: (خلونا نأكل عيش) إلى مستوى الصنف الأول!!
إن من يصنع جمال وكرامة الغد، هي أنات الجرحى الشامخة بشموخ أصحابها، أنات الإباء والكبرياء المرابط، والذي يحسو قراح الماء وهو رافع الرأس شامخ الأنف، ويقدم تضحياته المادية والمعنوية لشعبه ووطنه، ويأنف أن يتناول الماء البارد على حساب عزته وكرامته، وعلى حساب شعبه وهويته:
إني امرؤ عافي إنائي شركة
وأنت امرؤ عافي إناءك واحد
أتهزأ مني أن سمنت وأن ترى
بوجهي شحوب الحق والحق واحد
أوزع جسمي في جسوم كثيرة
وأحسو قراح الماء والماء بارد
فرق بين الأنين الشامخ في صفوف البذل والتضحية؛ وبين الأنين الرخو لنفسية تندب حظها، وتبكي حلمها، وتتشكي في المجالس؛ ساخطة باكية متذمرة! تكيل السخط والسب على الليل والنهار، والظلمة والنور، والحق والباطل على حد سواء، فقدت بوصلتها ولا ترى إلا أنانيتها؛ لذلك فهي باستمرار تئن وتبكي، ومتى كان الأنين الرخو يصنع مجدا أو يعيد حقا؟.
الأنين الرخو ليس أكثر من حسرات، واحباطات، وذل يتراكم فيسلم صاحبه إلى الذل والهوان.
ولا أسوأ من أصحاب الأنين الرخو، إلا أولئك الذين باعوا أنفسهم مبكرا لطاغوت ثار عليه أجدادهم وحاربه آباؤهم، وارتضى هؤلاء أن يكونوا حملة مباخر لهم!.
فتبا لحملة المباخر المسبحين بحمد المشروع الإمامي ليل نهار، ثم تكون مكافأتهم؛ أنهم طابور خامس!.
ولا عزاء لأصحاب الأنين الرخو!!