الحياة قيم ومبادئ وأخلاقيات، لا يستوعبها المنافق الذي يراها مجرد أقنعة، يرتديها من الفينة للفينة، في كل مرحلة يلبس قناعا يخفي وراءها حقيقته المتوارية، ليظهر بمظهر مصطنع تصوغه له مخيلته المريضة، ليبدي على ما هو بادي.
واقعنا اليوم يكتظ بالأقنعة، حسب المصالح، اشتراكيون في زمن الاشتراكية، وعفاشيون في زمن عفاش، وحراكيون في زمن الحراك، لا يؤمنون بغير مصالحهم، تعطشهم لهذه المصالح يدفعهم لنشر الفوضى والانفلات وتفسخ القيم والأخلاق، والفساد السياسي والاقتصادي.
الاختيارات والمواقف الوطنية تستند على سلم القيم والمبادئ والأخلاق،ترتبط بكل انشغالاتنا واهتماماتنا كنخب أفراد وجماعات، لنا تاريخ وحضارة حري بنا أن نحاكم تاريخنا وننقب عن الأخطاء لنصلح نتائجها، ولنا تجارب تحتاج أن نطور منها لتكن سند وداعم للولوج لمواكبة العصر.
لنا تجربة ديمقراطية وتعددية، لها ما عليها وفيها ما فيها، أعيقت، استخدمت كديكور لتلميع صورة المستبد وأحصنة امتطاها النافذون والفاسدون، من الخطأ الفادح تجريف الساحة السياسية من مكوناتها التنموية وهي الأحزاب، كتكتلات فكرية وسياسية، هذا يعني تهيئة الساحة لتكتلات بديلة وهي تكتلات طائفية ومناطقية وسلالية مدمرة للحياة والتطور والنهوض وأداة مثلى للصراعات والحروب.
الساحة السياسة لها ضوابطها الأخلاقية ومعاييرها من قيم ومبادئ التي تحكمها وأدوات التي تنميها، لما يصب لبناء قائم على الوضوح في المواقف والمبادئ الإيديولوجية الفكرية والثقافية الملتزمة،لينتج مع هذا أنماط سلوكية وممارسات سياسية عقلانية، تهدف بدورها إلى خدمة الشأن العام الوطني في كل أبعاده الوطنية والخارجية.
لهذا نحتاج لمثل هذه الأدوات بشرط إصلاح بنيتها، لتكن أحزاب سياسية محررة من الماضي وأمراضه، من النفوذ خالية من المليشيات والتطرف والغلو، أحزب لها برامجها وسياستها التي تتناسب والصيغة المشتركة للدولة الضامنة للمواطنة.
قد يقول قائل، غن هذه الأحزاب هي جزءا من مشكلة الماضي، أقول عليها أن تتغير وتتطهر من هذا الماضي، وتواكب تطورت المرحلة، كالحزب الاشتراكي، الذي فرز لجنته المركزية إلى شمالية وجنوبية استعداداً للدولة الاتحادية أو فك الارتباط، ليكون قادراً على أن يساهم بجدية في التغيير، وقيّم مرحلته السياسية واعترف بكل أخطائه، وهذا ما هو مطلوب من بقية الأحزاب لتنفض من على كاهلها غبار الماضي وأخطائه، لتنتقل للحاضر لتكون جزءا من التغيير للمستقبل.
لا يمكن أن تتحدث عن حرية وديمقراطية في ظل تجريف للأدوات، وإقصاء وتهميش وحضر للأفكار والمكونات، ولا يحق لأي كان أن يحرم إنسان من ممارسته حقه السياسي والفكري في بلده، إلا النظام الديكتاتوري المرفوض شعبيا وسياسيا.
البعض لا يفهم ولا يريد أن يفهم، وإن فهم فارتباطه بأجندات غير وطنية ومقيد بشدة بالماضي، فقد الإرادة وصار جزءا من العبث القائم، لتجريف الساحة من أدواتها الفاعلة في الديمقراطية والتعددية التي هي أساس بناء الدولة الضامنة للمواطنة والحريات.
مهمتنا في تنوير العقول لما فيه صالح العام والوطن، لكن يبدو أن معاول الهدم، هي الأكثر قدرة على التأثير اليوم وتخريب العقول، الاحتقان اليوم في أوجه، والوضع لا يحمد عقباه، والانفجار وشيك، نحن نعي خطورة ذلك، لكن المغفلين والجهلة منغمسون في التحريض والمناكفة والاتهام والتجريح والشتم والتعزير، لا أدري هل هي مؤامرة أم غباء وطيش.
يرددون كببغاء ما يقولونه دون أن يحدد موقفاً قيمياً ومبدئياً، هذا إرهابي وهذا داعشي وذاك عميل، واخذين الإرهاب كحجة لمحاربة الخصم، لا كفكر عليهم تنويره وتصحيح غلوه وتعصبه، يتحالف معه ويغض الطرف عنه، ويراهن على الاستقلال والتحرر بتلك الصيغة القذرة، صيغة التخلف في محاربة التنوير والانغلاق في محاربة الانفتاح والجمود المعيق للتغيير، ما يحدث اليوم من اتهام بالإرهاب وحكايات الخيال والوهم عن الآخرين وتكفير بتهمة العلمانية يصب في نفس الاتجاه ومن قوى شريكة في محاربة الإرهاب، عن أي إرهاب تتحدثون وهو فكر وثقافة وسلوك يمارس بيننا وفي وسطنا، محاربة الإرهاب لا يحتاج غير نظام وقانون ودولة ضامنة للمواطنة، فيها عدل وإنصاف غير ذلك لن نجد غير إرهابيين يحاربون الإرهاب.