في مقال سابق كنت قد تطرقت عن خطبة الجمعة وأهميتها في التنوير والتضليل معا، وحذرت من استخدام منبر الجمعة في الصراعات السياسية والمناكفات، وقلنا الكثير والكثير، لكن يبدو أن البعض قد حسم أمره وقرر المضي في ما قد عزم علية في توظيف المنبر لمزيد من الحقن والتحريض ضد التيار المدني والقوى السياسية الأخرى .
قلنا ولازلنا نقول لا للتكفير ولا للاتهام جزافاً، لكن يبدو أن الفتنة تشق طريقها لمزيد من الشروخ والتصدعات، في صلاة الجمعة قال الخطيب الإلحاد يستفحل بين شباب عدن،ما هي مستنداته في ذلك حتى يعتبرها حالة عامة وخطيرة تهدد الإسلام، بينما المساجد وروادها تشهد عكس ذلك، وأمام باب المسجد توزع منشورات في تحريم وتحليل، إذا فتح هذا المجال دون قيود وجهة مسئولة، سنفتح باب من الترويج، ما هو دور الأوقاف في هذا، وهل نترك المجال لمن هب ودب يحرّم ويحلل بمزاج لتعم الفوضى وتعج الفتاوى دون قيود قانونية وشرعية.
هذه هي الفتنة التي تبرر وسيلة القتل، تخاطب العقول المتشددة وتعطي لها مبرر السلوك الضال والظلامي، ليقول لهم تحركوا بحرية ومارسوا هويتكم في إرهاب الناس، تهمة نعرف جيدا الهدف منها تخويف الناس من التفكير بالدولة المدنية الضامنة للحريات والمواطنة، من تحرير العقول والنفوس، من الكبت الديني والطائفي والمناطقي، لينطلقوا إلى رحاب أوسع في دولة تتقبل كل الأفكار والرؤى، وتحفظ القيم والمبادئ والأخلاقيات الدينية والإنسانية معا .
لن ينجح الانتهازيون لا باسم الوطنية ولا باسم الدين في سرقة أحلامنا، وتبديد طموحاتنا بمستقبل أفضل، أو يرهبوننا باسم الدين كأوصيا عليه، و ينشرون الفساد الفكري المتطرف والغلو كبداية الإرهاب..
أرسى الإسلام العديد من القواعد و الأسس التي تنظم العلاقات بين أفراد المجتمع. و من أهم هذه الأسس هي العدالة الاجتماعية بما تحمله من معاني و قيم رفيعة تساعد على القيام بمجتمع يتمتع بالسلام و الإخاء و المحبة و الرخاء. و العدالة في الإسلام لا تطبق فقط على المسلمين، إنما جعلت لجميع أفراد المجتمع بغض النظر عن معتقداتهم والحمد لله على نعمة الإسلام في مدينتي عدن ووطني اليمن .
والدولة المدنية هي دولة النظام والقانون أساسها العدالة الاجتماعية، مخطئ من يعتقد أنها ترفض الإسلام، بل ترسخ قيمه الدينية والإنسانية على الواقع، تؤدي واجب وطني وسياسي تواكب تطورات العصر، دولة النظام والقانون الذي ينضم إيقاع الحياة ويحدد الحلال والحرام، والحق والباطل، والمؤسسات هي المسئولة عن تنفيذ هذا القانون، القضاء هو الحاكم في أمور الدنيا، والأوقاف في أمور الدين، جهة مسئولة بعيد عن الاجتهادات الفردية التي فيها الخطأ محتمل بل يفوق الصواب،يدخل الناس في فوضى عارمة .
هذا هو العبث القاتل، والخراب الذي لا يحترم عقول الناس. وهذا ما يجعل التدين سلاحاً في يد طوائف ومكونات فاسدة، بدلا من أن يلعب دورا حقيقي في الدفاع عن المظلومين والمحرومين وإشاعة العدالة الاجتماعية والمساواة، والحب والتسامح، يمارس التضليل والتغرير والزج بالبد في أتون صراع تناحري أبدي، مكفر ومتهم للأخر، صراع يتفق فيه الديكتاتورية الدينية والسياسية، لتبرر لقتل الأخر والجرائم التي ارتكبت وترتكب بحق الشعب.
لا خوف من هولا هم بشر، ما دمت مع الله كما يريد والإيمان يعمر قلبك وروحك، السكوت عنهم جريمة بحق الإسلام والوطن لا يقبله غيور على إسلامه و وطنه، والله من وراء القصد.