نسبة الفضل لأهله فضل، وخلق رفيع، ونسبة الخير لأصحابه خيرية، وسلوك قويم .
وحين يعرف كل شخص أو طرف للآخر حقه، يعني ذلك أن ثمة مجتمعاً يسوده خلق التعاضد والتكامل، لا سلوك التنافر والتجافي، وكل فرد في مثل هذا المجتمع له دور؛ لأن كل فرد فيه ميسر لما خلق له، كما في حديث للمصطفى عليه الصلاة والسلام .
العرفان للآخر بفضله وتميزه عليك بشيء ما، لا يلحق بك نقصا ولا ضرا، بل يزيدك فضلا وقدرا.. لكن أن تبتلى بمصيبة (أنا خير منه) نحن أفضل منهم... !! فتلك خصلة مرذولة، وسلوك تدميري، يمزق الأواصر، ويقطع الصلات والعلاقات، ويفكك روابط النسيج الاجتماعي، بفعل التنافس السلبي الذي يتلبسه الحسد والحقد.. ولو فكرت بإيجابية؛ أنا أو أنت، أو هذا أو ذاك، أو هذه أو تلكم، أو نحن أو هم.. لوجد كل طرف منا لنفسه قدرة أو دورا، قد لا تتوفر لدى الآخر، وحين يتفق الجميع على تجميع هذه الطاقات والقدرات وتوظيفها بالاتجاه الصحيح، فستعطي أكلها ثمارا يانعة للجميع، وقد قالوا: قد يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر!
حين كلّف الله موسى بالرسالة، وهو من أولي العزم من الرسل، لم يستنكف أن يعترف بميزة يتميز بها هارون عنه (وهارون هو أفصح مني لسانا) كما لم يستكبر أن يجلس أمام العبد الصالح يتتلمذ بين يديه (هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت منه رشدا) وهو رسول نبي !
يقدم لنا عنترة العبسي، وفي المجتمع الجاهلي، صورة لمجتمع يقر بالفضل لأهله، وتلمس الامتنان مع ذلك الإقرار :
ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها
قيل الفوارس ويك عنترة أقدم
عرف قومه له فضله وتميزه في مجال ما، فامتدحوا هذا التميز، وقدروا له ذلك الفضل.. وتلك طبيعة النفوس السليمة، والمجتمعات النظيفة من المنافسات السلبية السقيمة؛ ذلك لأنها مجتمعات تفرح بمن حولها من المبدعين والمتميزين، وتفخر بهم، ويعنيها البناء والإبداع وتهتم له.. فيما المجتمعات التي يسودها التنافس السلبي العليل، تحمل معاول الهدم، فتهدم نفسها بحمقها وأنانيتها، فتساعد خصمها على إخوتها نكاية بهم وتشفيا منهم، ولكنها تدفع الثمن الموجع مضاعفا، فلا تفيدها النكاية ولا التشفي، وتكتشف أنها فرطت، ولكن بعد فوات الأوان .
إنها مجتمعات الهدم؛ إذا رأت فضيلة شوهتها، وإذا وجدت تميزا أنكرته، وإذا كان خيرا شككت به، وحين تشاهد موقفا بطوليا سلقت أصحابه بألسنة حداد .
ولو أن هذا الصنف من الناس الذين يسخرون جهودهم للهدم و التخريب؛ فيسخرون تلك الجهود للخير والبناء، لمنحوا خيرية وفضلا، ولنفعوا وانتفعوا .
تأسف حين ترى التنافس السلبي العليل، يصل بالبعض إلى حد الافتراء على الآخر، وهذا الافتراء يكلفه جهد ومشقة في الاختلاق، وهو جهد كان يمكنه أن يقدمه في مجال إيجابي لو لم تكن هناك نفسية تحمل عللا و أمراضا .
أثق أن هذه الحالة الصبيانية والمريضة التي تتحكم بالبعض، وتوجد في مختلف الشرائح الاجتماعية والأطياف السياسية، سيدركها الوعي وسيستقيم مسارها، وسيأتي يوم لا يتخلى فيه المرء عن المبدأ انتصارا للأنانية، أو تصفية الحسابات !