كثيرا ما ردد الرئيس السابق صالح مقولة: عليّ وعلى أعدائي.
ولقد نفذ ذلك عملياً - انتقاماً من ثورة فبراير - حين مد يده مبكراً لمليشيا الحوثي، التي كانت تمارس غدرها وتتمدد على الأرض بمساندة صالح وتستولي أو بالأصح يسلم لها المعسكرات.
كانت الروح الانتقامية هي التي سيطرت سيطرة تامة على تصرفات صالح، ولم يكن يبالي أن تؤدي تلك التصرفات حتى إلى هدم النظام الجمهوري نهائياً!
وكان كلما تقدمت مليشيا الحوثي تجاه عمران ثم صنعاء... وجدت من صالح ليس مجرد التسهيلات، بله الدعم والمساندة إلى حد التنسيق الكامل والتماهي في التنفيذ، وتسخير القيادات العسكرية لمليشيا الكهنوت، ثم التسليم المتسارع لها من المخلوع للمعسكرات، وبشكل يشبه قصص الخيال. ولا تفسير لهذه الغيبوبة غير الانتقام تطبيقا لقناعته الأثيرة ؛ علي وعلى أعدائي.
لا شك أن المخلوع اليوم، وقد أحاطت به خطيئته ويسمع أصوات من سلم لهم الدبابات بمعسكراتها يطالبون به أضحية للعيد يردد في نفسه: في الصيف ضيعت اللبن!
ولا شك أيضا أن قيادة حزب المؤتمر كانت مغيبة عن القرار، وبعضها - ربما - كان يتلذذ تشفيا وشماتة بما كان يجري.
واضح أن المخلوع لم يكن يتصرف بهدف التمكن للعودة إلى السلطة، حيث كان يرى ذلك أمراً بعيد المنال، وإلا لما سلم كل المعسكرات لمليشيا الكهنوت، لكن تصرفاته كانت محكومة بالانتقام.
حالات الانتقام والتشفي وتصفية الحسابات التي عاشها جنبا إلى جنب مع مليشيا الحوثي، يدفع ثمنها اليوم مضاعفا.
وقيادة حزب المؤتمر تدرك اليوم أنها كانت مغيبة، ولكنها ليست مغيبة اليوم عن دفع الثمن المر حاضرا وتاريخا، وليس أمامها من خلاص أمام محكمة التاريخ إلا أن تكسر أو تتجاوز هذا التغييب وتستدرك ما فات وتتخذ قرار الانحياز للوطن.
فمليشيا الكهنوت في صنعاء تريد اليوم أن تتغول، وتغولها وتفردها هو نوع من التمكين لها، وذلك أمر يمثل خطورة على الجمهورية واليمن الاتحادي.
النظام الجمهوري ليس محل مساومة، والأمر يتطلب من كل القوى الوطنية التصدي للمشروع الكهنوتي بكل قوة، ومن غير المعقول تبادل مواقف الانتقام وتصفية الحسابات تجاه المؤتمر الشعبي كحزب، فموقف كهذا يكرر خطيئة المؤتمر الذي خذل الجمهورية تشفيا أو مفضلا الانحياز والوقوف إلى جوار صالح ونزعاته الانتقامية ولو على حساب النظام الجمهوري.
وهنا تبرز حقيقة يجب أن تفهمها قيادة حزب المؤتمر وهي أن الشعب اليمني المنحاز للنظام الجمهوري لا يعني - أبدا - القبول بعلي عبدالله صالح، والذي عليه مغادرة الفعل السياسي، بعد أن وصل باليمن - وحتى بالمؤتمر - إلى هذا الوضع المدمر الذي يجعله مدانا بكل المقاييس، وعلى حزب المؤتمر أن يقدم نفسه كحزب وطني يصطف لقضايا الوطن وليس حزبا مملوكا لشخص يسخر لخدمة الكهنوت!
لا يقولن أحد أن هذا تحريضا للمؤتمر ضد زعيمه، فالأمر أكبر من التسطيح للقضايا وأكبر من أن يبقى زعيما للحزب.
القوة التي لمليشيا الكهنوت اليوم، أو التي وصلت إليها إنما هي من صنع علي صالح، وعليه أن يتحمل تبعات أخطائه وخطاياه.
مطلوب من كل القوى والأحزاب بما فيها حزب المؤتمر الانحياز للشرعية وللنظام الجمهوري، ومن ثم التصدي بحزم وقوة ضد الجماعة الكهنوتية في كل اليمن، واللازم على المخلوع أن يترك الحزب وشأنه. وما أظن أنه بقي لديه قدر من شجاعة ليعتذر للشعب اليمني عن خطيئته الكارثية في مساندته للكهنوت! أو حتى الاعتذار لحزبه.