نعم نحتاج لوعي ناضج ينقلنا مما نحن فيه من أزمة وعي أنشأها الجهل والإفلاس الأخلاقي والثقافي، نتيجة عبث زمن الاستبداد والفساد بكل أشكاله الديني والسياسي في التعليم والثقافة والفكر والإرث والفلكلور، أزمة وعي حقيقية في النخب انعكست على المجتمع أفرزت فشلا واضحا في إنتاج مشروع وطني عام جامع للأمة، يعزز مكانة القوى المدنية قوى الثورة والتغيير، قوى النهوض ودولة المواطنة، ويضعف من النفوذ المعادي للنهضة والدولة والمواطنة، أزمة وعي واضحة في صراعات ومناكفات ومغالطات واقعنا اليوم، أزمة وعي ضحيتها شعب وأمة ووطن، غيبت الموازين وصارت القيم والمبادئ على الهامش تكال بمكيال المصالح والقناعات المشوهة والمشاريع الصغيرة .
المؤلم اليوم، واقعنا المنكوب خذلاننا في واقع لا يلبي قناعات وطموح الإنسان البسيط في استعادة الحياة والكرامة والدولة، في ترسيخ المواطنة والمساواة والعدل والحرية، كنا في نظام بوليسي مستبد فاسد، بديكور هش منمق بالوطنية والديمقراطية والتعدد السياسي، قبضة بوليسية تحمي حكم الزعيم والنفوذ ولوبي فساده، النظام والقانون سيف مسلط على البسطاء كحق يراد به باطل .
واليوم لا تحتاج لذكاء وفطنة، ولا ميكروسكوب، لتعرف أننا نسير في الطريق الخطاء ونبتعد كثيراً عن الحلم والطموح نحو واقع اشد قتامه، ومستقبل معتم، عن أي مستقبل نتحدث في حاضر يفتقد للعدل، للمساواة، للحق، في واقع فيه فرز مبني على التخوين والشكوك، في غياب العدل والقضاء والنيابة، وسجون مكتظة بالمشتبهين، في حاضر أبسط ما يوصف انه تصفية حسابات لذلك الماضي اللعين، تصفية لصالح أعداء الدولة والتغيير والمواطنة والمستقبل المأمول، نعيش واقع خذلنا، أحداثة مؤلمه، تستهدف عدن تاريخها ثقافتها ارثها ومدنيتها، من يدير هذا الواقع؟ من المستفيد؟ وكثيراً من الأسئلة المؤرقة، والدهشة في أوجه البعض، والوجع الذي يعتصر المصدومين، كالسجان العتيق في سجن المنصورة الذي شاهد بعض نزلائه يركبون أطقم وخلفهم حراسات، فصرخ موجوعا هولا لصوص مدانون في قضايا فساد وتحايل ونهب وسطوا، قلنا اهجع يا حاج أن تابوا فالله تواب رحيم، قال و وكلت أمري لله فيما نحن فيه، في هذه العبث الحقيقة الوحيدة التي نعرفها أن عدن ضحية، ضحية خلايا وعصابات نسمع قبض عليهم ولن يفصحون عن هويتهم، يتركونها للمناكفة والشيطنة والاجتهاد الخبيث والتسريبات المستهدفة للمأزومين، لا محاكمات ولا قصاص، ولا تحقيق ونتائج شفافة، بل مصائب على رؤوسنا يتداولها الناس والناشطون عن هروب بعضهم وتسليم بعضهم لجهات مشبوهة، وتنتهي القضايا وكان شيئا لم يكن،الأكثر وجعا أن الانقلابين لازالوا يستعرضون قوتهم ببجاحة وبمدرعات التحالف، أخبار صادمة، وصمت رهيب من الجهات المعنية لتوضيح الحقائق .
هذا الواقع الذي يراد له أن يكون ليحدد بدقه المستقبل الذي يرسم لنا لنكن خاضعين لأجندات طامعة بل أكثر طمعا ونهما وجشعا لخيراتنا ممن سبقهم، تلك هي القوى الاحتكارية والشركات التي تتخوف من عدن كموقع هام واستراتيجي، أن نهضت غيرت ملامح المنطقة، وتربعت على رأس التجارة والاقتصاد والمناطق الحرة، بموقعها الرباني الذي أوجده الله لذات الوظيفة ميناء تجاري ونقطة وصل بين الشرق والغرب، أردوا لها البقاء في السبات، منذ التأميم وعدن تعيش سبات عميق، و وحلم المنطقة الحرة سراب الماضي والحاضر، المهمة اليوم ترتكز على استمرار هذا السبات، وعدم السماح لأي صحوة لا اقتصادية ولا سياسية ولا اجتماعية، خوفا على مصالحهم واحتكاراتهم، بأدوات محلية، تفتقد للوعي في مصالحها ومصالح وطنها، الوعي معرفة وثقافة مدعوم بالأخلاق وعملية تفكير مستمرة وتدبر بأدوات التحليل والاستنباط والاستشراف، وهذه الأرضية الواسعة من الأخلاق والمعرفة والتفكير تصنع لنا الوعي الضروري للنهوض بأمتنا في مواجهة التحديات، هي صمام أمان مصالحنا ومصالح وطننا ومدينتنا، الوعي في هذه الحالة هو الناصية الصادقة التي تقود المجموع إلى سلوك حضاري حكيم.
لكننا اليوم نعيش أزمة حقيقية، أنها الأزمة التي يمر بها الوعي في الأمة تحرمه من النضوج والتنامي والإضاءة على الوقائع، وتحرم الفرد أن يكون في مستوى التطلعات والطموح، لا عجب فينا ونحن نصدق من يشوهون التاريخ، ونتعاطى مع كل ما يرمى لنا من أفكار وثقافة مشوهة، نقبلها ونتماهى معها، نرددها هزلا حتى تصبح ثقافة، ثقافة نضوج الكراهية والأحقاد والضغائن، ثقافة أسرتنا و بها برمجنا فسهل اقتيادنا، حشونا بصور ذهنية لعدو يتربص بنا فاقدي الحقيقة منغمسين في وهم الخيال التآمري، كان سهلا على البعض خلع الهوية وارتداء هوية كهدف سياسي، سهلا فرض القناعات والتزوير والكذب والنفاق، وسهلا التفريط بالسيادة والقبول بالتبعية، لنكن ورقة للتلويح والضغط يمكن تمزيقها في صفقة سياسية ورميها في مزبلة التاريخ في لحظة فارقة، صنعوا فينا أزمة وبعض أصيب بدائهم والنتيجة غباء مركب كما قال أينشتاين من الغباء أن تكرر الشيء ذاته بنفس الخطوات وبنفس الطريقة وتنتظر نتيجة مختلفة، هذا هو حالنا للأسف اليوم ينبغي أن نتصدى له بالمعرفة والأخلاق والثقافة والوعي لان هذا هو السبيل ولا سبيل سواه.. وتولانا الله برحمته