;
علي أحمد العِمراني
علي أحمد العِمراني

للأسف على جمال..! 1429

2017-09-30 19:32:18

عندما بلغنا خبر وفاة جمال عبد الناصر، كنت صغيراً أعاون أمي في "شرياف" نقد "حقل" الحنكة الذي يعرفه أهلنا آل عمران.. كان الزمان خريفاً.. سمعت من مسافة صوت عمي هادي يصيح: مات جمال عبد الناصر.. بريطانيا سوف تدمّر العرب، من البحر..! كانت بريطانيا ثعلب البحار.. ويفهمها عمنا الأمي بطريقته.. ورددت حينها كلمات بسيطة بشكل أنشودة بصوت حزين، وأنا لا زلت أعمل إلى جانب أمي في الحقل، ظلت أمي بعد ذلك تذكرني بها، وتنشد: وهي ساخرة ومبتسمة: للأسف على جمال..! وهي ذات العبارة التي رددتها حينذاك..
تركت أمي لوحدها وهي منهمكة في العمل، وما أظنني تغافلتها، وخرجت من الحقل، لكنها سرعان ما تبعتني، وكنت أريد الإضراب، أو ما يشبه الإضراب عن العمل، بسبب خبر وفاة عبد الناصر الذي سمعته للتو..! لكن أمي باشرتني بضربة في ظهري بعصاب الشرياف (قل حزمة علف صغيرة على وجه التقريب..!).. ضربتني وهي تقول: إرجع..! قدك تبا تلحق أبيك.. !
لا بد أن أمي كانت واقعية وعملية، أما أنا فيبدو أنني تأثرت بثورية أبي التي دفع حياته مبكراً ثمناً لها..قضى أبي نحبه قتلاً في الحرب ضد الإمام قبل وفاة ملهمه جمال عبد الناصر بثمان سنوات..
كان جيل الستينات جميلاً ورومانسياً ومتحمساً وحالماً بوحدة العرب.. وكان ذلك الجيل يظن أن جمال بطل الأحلام وفارس التطلعات، وأنه سيحقق الوحدة والعزة والكرامة، وكان جمال يردد كلمات العزة والكرامة والحريّة كثيراً في خطاباته..تفاعلت مع مشروع جمال كل أطياف المجتمع العربي، ريفا وحضرا، مدنا وقرى، أمراء وسلاطين ومشايخ وعمال ومزارعين ومثقفين.. كانت صور جمال عبدالناصر في كل مكان.. وكان يعرفه العرب جميعا تقريبا، على الرغم من انتشار الأمية وضعف وسائل التواصل..
أحب العرب جمال لسببين رئيسين كما يبدو، فهو الذي رفع لواء العروبة وظنوا أنه أكثر قدرة مِن غيره في تحقيق وحدة العرب وحقهم في الكرامة والحريّة والاستقلال، وكان جمال مستقيماً ونزيهاً على المستوى الشخصي وغير فاسد وهذا السبب الثاني المهم الباعث على محبته..
اختلف جمال مع كثير من القادة الذين عاصروه، وتبادل مع بعضهم الاتهامات والمؤامرات.. ولفت نظري من خلال خطاباته المسجلة، أنه كان حاداً في خلافاته ولا يتردد في استخدام ألفاظ وعبارات مقذعة، لا تتناسب مع مكانته ونزاهته..
النزاهة التي سادت ذلك العصر عمت بلاد العرب، وكان الزعماء يتنافسون عليها.. وكان كل منهم حريصاً أن يترك مجداً، ولم يكن القادة يتسابقون على الإثراء كما فعل كثير منهم بعد ذلك عندما ساد الفساد.. كان كل منهم حريصاً أن يكون قدوة ونموذجاً.. كان الملك فيصل يشكو الإعلام الذي يتابع نشاطه اليومي، الذي يعتبره هو واجباً، كما أعلن ذلك في أحد خطاباته، وكان يمنع أبناءه من اقتناء سيارات وهم طلاب في الجامعات الأميركية..
خاض عبد الناصر تجربة إنسانية فيها الصح والخطأ، والنجاح والإخفاق، ويقدر له أنه كان يحمل مشروعا عربيا كبيرا ومحترما.. وكان مخلصا لمشروعه.. ولا يعني إخفاق مشروع وحدة العرب أنها فكرة غير مشروعة.. فهي في تقديري فكرة طبيعية جدا وحيوية.. وسيأتي من ينجح يوما في إنجازها.. قد يكون ذلك ملكا أو رئيساً، أو بالأحرى ملوك ورؤساء تسندهم طلائع الأمة وقادتها..
وبالتأكيد فإن تجربة ناجحة من هذا القبيل، ستتحاشى الأخطاء الكبيرة التي ارتكبت في الماضي..

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد