الفساد آفة اجتماعية خطيرة مدمرة لكل شيء.. للاقتصاد والسياسة، للقيم والأخلاق، للعلاقات الاجتماعية للتعليم والثقافة للحياة المعيشية، الفساد سرطان ينخر جسد الوطن والمجتمع ليوصله إلى قاع الانحلال والتدهور، ثرنا لاستئصاله وتطهير الوطن منه.
اليوم نحن نعيش آثار 35 عاماً من فساد سياسي واقتصادي وأخلاقي أفسد الحياة والإنسان، حتى صار الفساد ثقافة، وله جذور ولوبي ومال وإعلام، فحاول التمكين بالطائفة وسلالة، بزعيم وسيد، عبد ومعبود، لتجريف المجتمع من قيمه وأخلاقه.
فكان لابد لنا من اختراق هذا الجدار العفن المعيق للتحول والتغيير، بما هو متاح من أدوات، وكانت الشرعية اختيارنا، جمعت كل الطامحين في الخلاص، فيهم من لازالت ثقافة الفساد عالقة في نفسيته، لم يستطع الخلاص منها، الثورة كفيله بإصلاح النفوس ومحو أثار الماضي اللعين بفساده وعنفه.
الشرعية بالنسبة لنا مبدأ وقيم ونظام سياسي ثابت الهدف، هو الرحم الذي يتولد فيه حلمنا وطموحنا، ليلد معافى سليماً، دولة النظام والقانون، لضمان المواطنة والعدالة والحرية، دولة خالية من الفساد والفاسدين، نعم أدواتها أفراد زائلون، متى ما فرضت الثورة قيمها كثقافة وسلوك وإرساء العقاب والثواب في قانون وعقد اجتماعي سليم وعادل يمكن أن يخضع الجميع لثقافة الثورة، ومن لا يتغير يُغير، ليكون البقاء للأصلح والزوال لكل فاسد ومفسد.
أخطر أنواع الفساد هو الفساد السياسي، الذي تخرج من تحت عباءته كل أشكال الفساد، مرتعه الفوضى، وما أكثر صانعي الفوضى من الفاسدين السياسيين، من يثيرون الزوابع، ويغذون الفتن والصراعات، تحت عناوين عديدة برداء ثوب الفضيلة والوطنية الزائفة، وهم يمارسون العهر السياسي، في استخدام محاربة الفساد للإفساد السياسي، بخلق بيئة تخدم أعداء الأمة ومشروع المستقبل المنشود.
كل فاسد يعبر عن نفسه، والجماهير اليوم أكثر وعياً، لم تنطلي عليها الأوهام، وتتكشف أمامهما المشاريع الغير وطنية، ويعرفون الفاسدين جيدا، هم اليوم يصدرون نداء وتنبيها أخيرا لهم، في ما عرف بتوظيف الأقارب من أبناء وأزواج، يرحبون بالتوبة والله خير التوابين، لا مجال أمام الفاسدين أينما كانوا في الشرعية وغير الشرعية سوى إصلاح الذات وتطهير النفس أو الاستئصال، بمبدأ الثواب والعقاب، وتفعيل دور القضاء وأدوات القبض والبحث والتحري والنيابة العامة، في دولة النظام والقانون الضامنة للنزاهة والمواطنة، علينا كشعب أن نصنع واقعاً يهدد كيان الفساد ونمضي سائرين في الطريق الصحيح بإذن الله موفقين.
اليوم الفساد استفحل، في أوساط كل المكونات، شرعية ومقاومة ورجال أعمال، وجماهير، ما تعانيه عدن في الأمور الحياتية اليومية والبسط العشوائي للأراضي والمؤسسات، والانفلات الأمني، وهروب المجرمين، والاغتيالات، وصعوبة تفعيل القضاء والنيابة وأدوات القبض والتحري، والإرهاب، هو الفساد بعينه، يمارسه البعض دون خجل وحياء، بل ولسان طويلة وعويله، ميناء عدن ومطار عدن، إيرادات الضرائب والجمارك، فساد حرمان بجح للمدينة من خيراتها لجيوب لصوص الزمن الأغبر الجديد.
هناك صناديق أنشأتها الدولة لمساعدة التنمية وبناء الإنسان، كصندوق النشء وصندوق التراث وغيرها، مواردها يدفعها المواطن كنسب في قيمة بعض السلع كالسجائر والأسمنت.. وغيرها، ونسبة في إيرادات الضرائب والجمارك، وتقدر بمليارات الريالات هل تورد تلك الإيرادات للصناديق أم تذهب لجيوب لصوص وناهبي الثروة من الفاسدين ممن يحصلها ولا يوردها، أو يدفع مبالغ زهيدة للفاسدين أيضا، تلك الصناديق يمكن أن تلعب دورا هاما في تطبيع الحياة وتموين برامج هذا التطبيع، فساد ينخر الجسد ويرهق الحال ويعكر الواقع ويعطل التطبيع والحياة، نحتاج لجهود حثيثة لإرساء النظام القادر واستئصال الفساد من جذوره وتجفيف منابعه، دون استغلال سياسي قذر له ضد بعضنا بعض، وكلا سيحاسب على ما اقترفت يداه اليوم أو غدا لناظره لقريب.