حين اندلعت ثورة 14 أكتوبر، كان بين يديها 23 كيانا تمتد على طول رقعة الأرض التي كانت تعرف قبل الاستقلال بالشطر الجنوبي من اليمن .
كان الاستعمار البريطاني يرعى تمزق تلك الكيانات، ويعزز انقسامها ليكون عاملا قويا يساعد في بقاء احتلاله مدة أطول ، فالاستعمار البريطاني اتكأ كلية على قاعدة: فرق تسد.
غير أن ثورة أكتوبر المجيدة منذ انطلاقتها كانت قد حددت هدفها بتحرير كامل الشطر الجنوبي غير معترفة بتلك الكيانات المبعثرة التي جزءها المستعمر.
كانت الروح الوطنية يومها عملاقة وتأنف من أن تقر أو تعترف بالكيانات التي أنشأها المستعمر ؛ و لذلك كانت المظاهرات التي تخرج مساندة للثورة، كان عمقها الوطني ينسف مخطط الاستعمار ، وهتافات الثورة تعلن باستمرار:
شعب يمني واحد.. علم يمني واحد.. الخ تلك الهتافات الوطنية العملاقة.
بل كانت الروح القومية تتجاوز القطر إلى الهتاف للوطن العربي ككل:
شعب عربي واحد.. جيش عربي واحد.. علم عربي واحد.. الخ تلك الهتافات التي كانت شعاراً وهتافاً لكل مواطن عربي على امتداد الوطن العربي الكبير.
الأهداف الكبيرة تحشد حولها الكبار، فيسعون لصنع التحولات الكبيرة مهما كانت الكلفة أو كانت التضحيات أو طال الزمن ، فالعمالقة لا يتقزمون، و بالتالي لا تتقزم أهدافهم.
والأهداف الصغيرة يحتشد حولها الصغار، والصغار دائما يعلو صخبهم، ويرتفع دويهم، ولكن مطالبهم متقزمة، ويرتضون في الأخير بما تأتى.
كانت عدن مركز العمل الفدائي والكفاح المسلح، وكانت أيقونة الثورة، ومن نافلة القول أن تعز كانت قاعدة الثوار ومنطلقهم، وليس الحديث هنا عن دور تعز أو صنعاء في ثورة 14 أكتوبر، فلا أحد يستطيع إنكار ذلك الدور أو حتى تهميشه. مثلما أنه لا يستطيع أحد أن ينكر أو حتى يقلل من دور عدن في ثورتي 48 وكذلك في ثورة سبتمبر الأبية.
لقد كانت الروح الوطنية عملاقة وتأبى التمزق.
ما يمكن قوله اليوم - واليمن تعيش مواجهة مشاريع التقزم والتمزق، أن عدن الباسلة دار الزمن ليسلمها مقاليد اليمن، فهي اليوم العاصمة، وهي جديرة بأن تلعب هذا الدور باقتدار، ومن غير المعقول أو المقبول أن ترضى في أن تتقزم، أو تتوارى أو تبقى في هامش الفعل .
لقد عولت اليمن كلها على عدن حين دحرت الانقلابيين، عولت عليها أن تكون منطلقا لإنزال الهزيمة بالمشروع الظلامي للحوثي والمخلوع، وعولت عليها أن تلعب دورها كعاصمة تحمل مشروع التمدن والمدنية، وعولت عليها أن تقدم النموذج في كل مجالات الحياة، وهي نماذج سبق لها أن اضطلعت بها باقتدار.
يخذل عدن كل من يقف ضد تمكينها من القيام بدورها الوطني رياديا وقانونيا وثقافيا.. وكل مجالات الحياة .
يخذل عدن من يريد أن يجعلها في الهامش .يخذل عدن من يعطل مؤسساتها، ويصادر سلطاتها ويخفي دورها ويقزم رسالتها.
إن أبهى صورة للاحتفال بالذكرى الرابعة والخمسين لثورة 14 أكتوبر هو إعادة الاعتبار لعدن وأن يتم تمكينها للقيام بدورها القانوني كعاصمة سياسية لليمن.