تتسلق القردة قمم الجبال؛ لكن هل تتحول بذلك التسلق إلى قمم أو رموز؟ كلا !
قد تسير الدواب على شوامخ الجبال ؛ لكن، هل يكسبها ذلك شيئا من الشموخ؟ أبدا !
قد ينكر أعمى ضوء الشمس؛ لكن، هل يصدق أصحاب البصر والبصيرة هذا الإنكار؟ على الإطلاق !
يمكن لأي قزم أن يتطاول على أي عملاق من العمالقة، فهل تطاول قصير الهامة أن يحول العملاق إلى قزم؟ هيهات هيهات !
في حالة واحدة فقط يمكن أن يصبح العملاق قزما، وهي في حالة سماح العملاق لنفسه أن يرد على تطاول القزم، و ينزل إلى مستواه، و يرضى بإهدار وقته في ملاسنة الصغار و قصار القامة.
يستهلك الصغار والأقزام جهودهم لتسويق أنفسهم كعجوز أدركها الشيب و الخرف معا، فهي تمضي وقتها تلهث عبثا خلف أدوات التجميل، فلا مالا تبقي، ولا جمالا تستعيد :
تدس إلى العطار حلية أهلها
وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر!؟
و إن شئت قلت إن مثل هؤلاء الصغار أو الأقزام مثل تاجر أفلس بالكلية، فعاد إلى دفاتره القديمة يريد أن يستعيد مركزه المالي الذاهب، فلم يجد غير أن يعود إلى دفاتره الغابرة ليدعي - و بلا دليل -بديون كاذبة على هذا أو الافتراء على أولئك !
ما من شك أن تسلق القردة على قمم الجبال لا يضيرها، وأن سير الدواب في أنحائها لا ينقص من قدرها، بل إنها توفر لمختلف الدواب الكلأ والمرعى.
وأما أعمى البصر فمعذور إذا شك أو حتى أنكر ضوء الشمس، ولكن المحزن والمؤسف معا هو ذلك المتعامي، و الأتعس أعمى البصيرة؛ لأن عماهته تصل به إلى حد ( المكارحة) في أن الليل أقوى ضياء من النهار، وأن القاع أعلا شموخا من الجبل، وهذا الأتعس لا ينطبق عليه :
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد
وينكر الفم طعم الماء من سقم !
و الأكثر عماهة وعمى من هذا هم أولئك الذين يرون أن أفضل أدوات التجميل لهم هو التشهير والتجريح بالآخرين والانتقاص من قاماتهم وإنجازاتهم، يسوقون ذواتهم ليرضوا هؤلاء أو أولئك برخص، وفوق ذلك يجعلون من أنفسهم أوصياء يمنحون بموجبها الوطنية لأشخاص ويحجبونها عن آخرين، بل ويشككون وينتقصون من عمالقة وأبطال ويتمادون إلى حد التخوين :
كناطح صخرة يوما ليوهنها
فلم يضرها و أوهى قرنه الوعل
إن الغرور آفة، و الإعجاب بالنفس غباء، و التطاول على الأبطال والعمالقة سفاهة !!