وسط غياب تام للموقف العربي الرسمي يعلن الصهاينة عن يهودية كيانهم، أو عن دولة دينية يهودية خالصة لليهود، لا يكون فيها لأصحاب الأرض الأصليين أي حق فيها، أو الانتساب إليها. ما وصل إليه الأمر - اليوم - من نتيجة تظهر العجز العربي بأسوأ صوره و حالاته، و هو إنما نتيجة لتراكمات من العجز و الخذلان و التآمر امتد زمنا غطته عنتريات الأقوال، و غياب الأفعال لدى النظام العربي. يعلن الكيان الصهيوني اليوم عنصريته بكل وضوح، و يعلن يهودية الدولة القائم على أساس ديني صريح، ليس فقط وسط غياب النظام الرسمي العربي، و حتى للأسف الغياب الشعبي، و بالأخص ذلك الطابور من الأصوات الذي ملأ الدنيا عويلا و بكاء و تحويفا مما يزعمونه توهما من قيام دولة دينية، و هم يرمون من وراء عويلهم إلى اتهام القوى الحية و الفاعلة في الامة، و يستدعون لتمرير دعاواهم بغي الكنيسة وطغيانها في الغرب، ليلصقوا - ظلما و بهتانا - بغي الكنيسة بالإسلام. هذا الطابور الباكي و المتابكي، يبدو منعته دموعه من أن يرى اليوم القرار الصهيوني الذي يستهدف الوجود الفلسطيني بصورة نهائية، فابتلع لسانه و لم ينبس ببنت شفه عن الدولة الدينية التي أعلنها اليهود؛ و كأن تخصصهم و مهمتهم الطعن في القوى الحية للأمة من الداخل ! المتابع لتاريخ القضية الفلسطينية من بدايتها سيجد قوة و عنفوان تعاطف الموقف و الاهتمام الشعبي بالقضية - و حتى مواقف الدول الإسلامية - الذي كان يحشد الأمة الإسلامية لتأييدها من أقصاها إلى أقصاها، و كان الفهم السائد أن فلسطين قضية إسلامية، و كان ذلك أمر يخيف الصهاينة، كما يخيف الذين زرعوا الكيان الصهيوني في قلب العالم العربي و الأمة الإسلامية. فتقمص هؤلاء ثياب الرهبان و جاؤوا بصورة الناصح يوسوسون في أذن النظام العربي الرسمي و يقولون : لا تجعلوا من فلسطين قضية إسلامية، و لا تدخلوا الدين فيها فتفقدون ( تعاطف ) العالم، فانبرت أقلام و أجهزة إعلام تسوق هذا السم القاتل، فخسرنا الدول الإسلامية و لم نكسب تعاطف العالم ! و اقتصرت قضية فلسطين على أنها قضية عربية فقط، و ارتفع شعار : فلسطين قضية العرب الأولى، فما من انقلاب عسكري في بلد عربي إلا كان في بيانه الأول أن من أسبابه تبني تحرير فلسطين، و ما من كلمة لحاكم عربي إلا و كان لفلسطين نصيبا كبيرا منها. و جاء اليوم الذي يتقمص فيه النظام العربي الرسمي بنفسه دور الناصح - هذه المرة - عندما قرر بعد نكبة 5حزيران 67م. أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، و لم يكن هذا النصح أو القرار سوى هروب يتخلى بموجبه العرب من مسؤوليتهم التاريخية، و أن تتحول قضية فلسطين إلى قضية تخص الفلسطينيين فقط، بدليل أن كل ما يسمى بدول الطوق منعت قيام أي عمل فدائي للفلسطينيين ينطلق من أراضيها ! النظام العربي الرسمي أكل بفلسطين في الماضي تعاطف الشارع العربي بعنترياته و تصريحاته التي كانت لا تتعدى دغدغة عواطف الشعب العربي، و المؤسف أنهم حتى اليوم ما يزالون يأكلون بفلسطين؛ لكنهم هذه المرة يأكلون بها رضا الصهاينة و الامريكان وعن طريق الانبطاح للصهيونية لا بأسلوب التهريج و العنتريات السابقة ! لقد كشفت فلسطين حاجة الأمة لدور متغير يفيدها و يحفظها أولا قبل فلسطين، أما الفلسطينيون فينطلقون اليوم من قاعدة : لا يضرهم من خذلهم!
أحمد عبدالملك المقرمي
صهينة الكيان اليهودي 1166