العنف سلوك بشري موجود في البنية البيولوجية والنفسية وسلوك الإنسان , ولان الإنسان حيوان عاقل مفكر , فالعقل يضبط إيقاع هذا العنف ويقنن من التمادي به حتى لا يتحول لمشكلة , العنف لا يقتصر على العدوان المادي الجسدي فقط , فلديه تجليات رمزية أكثر خطورة وتأثير , كالتحريض والحشد ضد الأخر والازدراء منه و ومن فكره ورؤاه ومشروعه .
العنف مهما كانت مبرراته مرفوض , لأنه دافع للأنانية تكبر على الشركاء بل إغفال أهميتهم بالحياة , أي انه وسيلة فرض أمر واقع على الناس , حتى وان كانت حق لابد أن يراد بها باطل , الفرض بحد ذاته دون قناعة مكروه لدى الأحرار .
في الجنوب يراهن البعض على العنف كوسيلة للحسم , والعضلات و تغييب واضح للعقل والمنطق ,وهذا ما سيد العنف وصدره للمشهد , كثقافة وفكر يتجلى في الخطاب العام المشحون بالتهديد والوعيد والتلويح بالعنف والحسم العسكري واجتثاث الأخر واستعراض العضلات , وبالتالي النتيجة صراع وقتل وانتهاكات وسفك للدماء , كل هذا يجد من يبرر له بل يبتهل فرحا في حدوثه , المؤسف أن يكون بين هولا نخب كان المجتمع يرى فيهم القوى الناعمة ويعول عليهم في الخروج من دائرة العنف والعضلات , لدائرة الفكر والعقل والمنطق في التعامل مع الأخر , للوصول للغة مشتركة للتفاهم , وطريق يؤدي لمسار يرضي جميع الأطراف .
الرهان على العنف , هو تسليم الأمر لقواه , وقواه تقليدية بحثه , متخلفة ومتعصبة , بعضهم يشجع أعمال العنف وهو لا يدرك خطورة الأفكار والتوجهات المؤثرة في قواه على الأرض .
المتمعن الفطن للأحداث , سيعرف الكارثة التي يسير فيها هولا , خطورة الأفكار المسيطرة على القوى الفاعلة والعنيفة على الأرض , قوى متطرفة مذهبيا و مناطقيا , قوى تستخدم الجنوب ومشروعه للوصول لأهداف لا تلبي قناعات وأمال وطموحات الجنوبيين الأحرار, وهذا واضح في تصفية العقول المتحررة والأفكار النيرة , والوسطية , اليوم الفكر المتحرر تعتبره تلك القوى ألحادا , وراح ضحية ذلك شباب واعد كأمجد عبدا لرحمن وزملائه , إضافة لسخرية تلك القوى من مبدءا الدولة المدنية والعلمانية , وترفض الحرية والرأي الأخر والمواطنة , وكل أطروحات التغيير والدولة الضامنة للنهضة ومواكبة العصر .
مثل هكذا أفكار عفنه تحتاج لاصطفاف , وخير اصطفاف هو المناطقية , وهذا ما هو قائم بحدود تهدد تفكك المجتمع , اليوم تتفاخر هذه القوى بألقابها المناطقية , وتحمي نفسها بها , أي نقد ضد أي شخصية وان كان بناء , تواجهك هجمة شرسة من المناطقين , البعض يبني مواقفه واختياراته والشخصيات التي يراهن عليها مناطقيا متجاهلا أفكارها توجهاتها رؤاها , متجاهلا فسادها فشلها انتهاكاتها , بل يعتبر نقدها هو استهداف للمنطقة , وهناك من يختزل الجنوب بمنطقته , كما قال احد المشحونين بالعصبية المناطقية , لا توجد أم في منطقتنا ولدت عميل ولا خائن , نساؤنا يلدان أحرار وطنيين , هكذا عقلية صلفة صدئه , يمكن أن تشكل خطر على المجتمع لا يختلف عن القاعدة وداعش في إرهاب الأخر .
فلا تستغرب أخي المواطن في عدن الباحث عن الاستقرار والأمن والأمان , ما يحدث لمدينتك هو نتيجة طبيعية لتسيد العنف وقواه المتطرفة , ولا تستغرب أن يقتل الجنوبي أخاه على اختلاف وجهة نظر وفكرة ومشروع وحتى راية , راية وعلم هو في الأصل علم الجنوب الذي قدم قوافل من الشهداء من اجله في حرب التحرير والاستقلال من الاستعمار البريطاني , هو علم الجبهة القومية , ومن ثم أضيف المثلث الأزرق للحزب الطليعي من طراز جديد بعد توحيد فصائل العمل الوطني ( الحزب الاشتراكي اليمني ) , كحزب حاكم منغلق على ذاته وفكره وأيدلوجياته حينها , حتى تشكل وعي بضرورة الانفتاح السياسي والاقتصادي , تنازل الحزب عن مثلثه الأزرق بقناعة , وجعل الراية التي يرفضها الجنوبيون رايته في مفاوضاته في وحدته مع الشمال التي قرنها بالديمقراطية والتعددية والتبادل السلمي للسلطة , هذا هو الجنوب , جنوب الحرية والمواطنة والفكر التحرري , ليس جنوب أبو القينقاع والعقول المتعصبة .
لا مشكلة للجنوب مع الشمال , مشكلتنا مع منظومة الحكم الاستبدادي العفن ,سيطرت على الشمال واستكملت السيطرة على الجنوب , واستمرت تدعي زورا وبهتان الحق , الثورة والجمهورية والوحدة , وراياتهما , بما فيه هذا العلم , الذي يشكل رمزية للجنوب ودماء شهداء ثورة أكتوبر وشهداء مشروع الجنوب الوحدوي المشروع الوطني للدولة الضامنة للمواطنة والديمقراطية والحرية , وهذا ما يغيض أعدا ثورة أكتوبر من هذه الراية .
من يقنع هذه القوى المتطرفة أن هذا يمثل رمزية الجنوب اليمني الأصيل بأصالة حضرموت وشبوة و يافع حمير وعدن , اليوم يندفع البعض دون عقل ولا منطق ليجرد الجنوب من هذه الأصالة كأرض يمنية واستمرارا لذلك يجرد الجنوب من رمزيته , لصالح قوى النفاق وأعداء ثورة أكتوبر وسبتمبر الخالدتين , مؤسف أن يرفع الحوثي أو حتى ما تبقى من عفاش شعار الثورة والجمهورية والوحدة , وتحت علم عزيز على كل جنوبي ثائر فدائي ضد الاستعمار ,ويقبل الجنوب التخلي عن هذه الراية والهوية , , حتى وصلنا لما نحن فيه اليوم نقتل بعض وننهش في جسد بعض استمرارا للمؤامرة .
بعضهم للأسف يبرر أن اجتياح الجنوب كان تحت هذه الراية , وأضيف لهم ليست هذه الراية فقط بل تحت راية (لا الله إلا الله محمد رسول الله , والله واكبر ) وهل تذكرون ربطة الرأس , فهل معنى هذا أذا رفع عدوك راية لابد أن تكفر بها , والله المستعان .
احمد ناصر حميدان