تطرق أبوابنا الذكرى الخامسة والخمسون لثورة 14 أكتوبر المجيدة، ثورة طوت ليل الاستعمار الذي امتد 129 سنة، طواه كفاح مرير، وجهاد شعب لم يكل. لم تكن ثورة 14 أكتوبر هي الثورة الوحيدة ضد الاستعمار البريطاني طيلة بقائه، وإنما كانت هناك ثورات وانتفاضات ومواقف رفض للوجود الاستعماري لم يكتب لها النجاح. من نافلة القول إن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م. ضد الإمامة الكهنوتية كانت الباب والمنطلق لثورة 14 أكتوبر 1963م. و الأداء الشعبي لليمنيين في الثورتين لم يكن مجهولا كذلك، أيام كانت هتافات الثورة: شعب يمني واحد، جيش يمني واحد، علم يمني واحد..بل كان الشارع العربي الصلب الذي استعصى على العبودية والاستعمار هو الآخر يهتف: شعب عربي واحد، جيش عربي واحد، علم عربي واحد. كان المشروع واحداً وكان الصف موحداً وكان الحذر من المؤامرات الخارجية يقظاً، كما كانت النتوءات والثغرات العميلة ضعيفة ومحدودة، وإنما تظهر هذه النتوءات في النوعيات الرخوة من البشر. انتصرت الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر وحققت مكاسب نوعية بلا شك، فالجزء الشمالي من اليمن يشرق فيه فجر ثورة سبتمبر ليكتشف العالم مدى الحرمان الذي عاشه اليمن في ظل الحكم الإمامي البائد الذي لم يبنِ فيه - حتى - مدرسة واحدة، فيما كان الجزء الجنوبي منه ممزقا إلى ثلاثة وعشرين مشيخة وولاية وسلطنة، فكانت الثورة التي فتحت الباب للعلم والتعلم، كما كانت الثورة التي وحدت كل تلك الكيانات الى كيان واحد. أليس هذا في حد ذاته نقلة نوعية حققتها الثورة اليمنية؟ نقطة الضعف التي أصابت الثورة اليمنية إلى جانب الثورات المضادة التي استهدفتها، هو أنها لم تأخذ بالعملية الديمقراطية كتحول استراتيجي تنموي يؤسس لمسار ديمقراطي حقيقي يحفظ للوطن مكتسباته ويفتح له الآفاق أمام التحولات التنموية المختلفة. ولو أن التحول الديمقراطي تحقق لدرء عن اليمن واليمنيين هذا المآل الذي آلت إليه الأمور اليوم. لقد أضر الاستبداد أيما إضرار بمسار الثورة اليمنية، فانعكس سلبا وخطرا على سائر المجالات، فظهرت بسببه المشاريع الصغيرة بمختلف مسمياتها، وتقزم المشروع الوطني، الذي أضر به الاستبداد فظهر مشروع التوريث ومشاريع جهوية وسلالية أضعفت المسار الثوري وصادرت غاياته وأهدافه. من العيب اليوم أن نحتفل بذكرى الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر، والرايات السلالية أو الجهوية أو رايات أي مشاريع صغيرة تطل برأسها هنا أو هناك، وإن على الأغلبية الساحقة من الشعب اليمني؛ وقبله الشرعية أن تقول كلمتها مدوية تزلزل بها تلك المشاريع الصنمية، وإن على الشعب بكل أحزابه وتنظيماته السياسية وكل مكوناته أن تصطف لإعادة وهج الثورة اليمنية وألقها والعمل بروح الفريق الواحد لتحقيق أهدافها، وإلحاق الهزيمة بالمشروع السلالي الكهنوتي وكل مشاريع التفريخ البائسة .
أحمد عبدالملك المقرمي
14 أكتوبر ال 55 1043