بدأت الحياة تدُب بشكل متسارع في المدينة عدن، بافتتاح مدارسها الحكومية مع بداية العام الدراسي المتأخر شهرين، و المشهد الصباحي وحركة الطلاب الذاهبون للمدارس بزيهم الموحد والحقائب على أكتافهم، المثقلة بهموم أوليا أمورهم، وطابور الصباح والنشيد الوطني، ونبض الروح الوطنية بمشاعرها الجياشة، ودورة الحياة التي تتجدد مع بزوغ كل فجرا يردد الجميع (لن ترى الدنيا على أرضي وصيا .. مشهد تراجيدي يعبر عن الحياة في التربية الوطنية، والجيل الصاعد لبناء المستقبل، والوعي والثقافة والحيوية والنشاط،في تجاوز واقع التبلد والخمول والركود، لتطبيع الحياة، لتنفض عدن من على كاهلها الركام والتخلف والجهل والعصبية، و تتجاوز جراحاتها وآلامها ومعاناة أبنائها، بمنأى عن قبح السياسة والمدياسة، لتكن عصية على الفوضى والفوضويين الذين يريدون ان يغتلوا روح هذه المدينة ويخنقونها . هذا المشهد ثمرة حوار مجتمعي، لمنظمات المجتمع المدني المعنية بالسلم الاجتماعي ومسار الحياة، التي تراقب الواقع وتتدخل في اللحظة المناسبة لتساهم في مواجهة تداعيات الحرب العبثية، كشركاء في الوطن، لتوقف الأنانية الضيقة لترتقي لما هو اكبر الهم العام والصالح العام وتغليب روح الجماعة على الفرد . لا نختلف أن الثورة هي تغيير للأفضل، الثائر عقلية متجددة في ذاتها ليستطيع ان يغير الواقع، بالوعي الكافي لذلك، وعي العلم والمعرفة والتربية والتعليم، كما قال نيلسون منديلا ((التعليم هو أقوى سلاح يمكنك استخدامه لتغيير العالم). كان حوار تصالحي وتناصحي، قد تجد من يصرخ في وجهك من يسخر مما تقوله، من يتهمك ويكفرك، اتركه يعبر عن ما فيه لتعرفه جيدا، كما قال سقراط( تكلم كي أعرفك)، الحوار هو تعارف للأفكار والقناعات، هي مواجهة حقيقة للمشكلة . كنا في مواجهة مع العقلية العصية على التغيير، عقلية تثور لتورث البلد بشغف السلطة وحب التسلط، العقلية التي لا تؤمن بالشراكة الحقيقية، تركز جهودها في شيطنة الآخر وكيل وابل من التهم خارج إطار القانون، في تجاوز للديمقراطية والحرية والمساواة بل والعدالة، في اهتمام صارخ للاستيلاء على مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني، لامتلاك الساحة لتكن لهم وحدهم وعلى غيرهم الطاعة، في أنانية مشبعة بثقافة الكراهية وفكر العنصرية . الجنوب تاريخ وارث لآلاف السنين، وعدن السباقة بكل جديد، السباقة في الحركة العمالية والوطنية، يراد اجتثاث كل ذلك الإرث ليؤسس لنفسه كيانات تابعه تنفذ أجنداته، لا يريد أن يساهم في إصلاح حال هذه المؤسسات، وتصحيح اعوجاجها، وتطعيمها بشكل قانوني بالقوى الفاعلة لتفعل نشاطها،، لتغيير يخدم المصلحة العامة وحل يرضي الجميع، هم بذلك وضعوا أنفسهم مشكلة تنتج عددا لا يحصى من المشكلات، وتؤزم ما هو مأزوم، وتمزق النسيج، وتشتت الجهود، لا لشيء بل لتمتلك قدرة التحكم وإدارة تلك المؤسسات والكيانات الطارئة التي أنشأتها ظروف الحرب، لتكن جزءا من الحرب ضد الآخر، تنفذ أجندات وأطماعاً. التغيير ليس بتعدد المؤسسات بل بإصلاحها بالانتخابات من القاعدة للقمة التي تجدد نسيجها، لتحفظ هذه النقابات تاريخها العريق وعضويتها في المنظمات العربية والدولية، تفريخ نقابات سياسية يضر بمصلحة العمال، وخاص نقابات التعليم، هناك جهود بذلت لتوحيد النقابات وتذويب المفرخ منها في كيان نقابي واحد أصيل مهني صرف، يأتي اليوم من يفرخ لنا كيانات اخرى، وليقدم نفسه شبيها للنظام البائد بكل شيء لا جديد لديه ولا تغيير يحمله في جعبته . الخروج على التوافق العام هو مزايدة قد خبرناها جيدا ، لستم الوطن ولا الشعب، انتم مجرد شريك في وطن فيه الكثير ممن يختلف معكم وعنكم، فلا تضعوا أنفسكم في مواجهة التغيير للدولة التي تستوعب الجميع، التعليم ملك للجميع، إذا أردنا أن ننهض فعلينا بتحييد التعليم بمنأى عن الصراعات السلبية للسياسيين، لنهتم في الثروة البشرية والإنسان السليم الخالي من عفن التعصب الأيدلوجي والطائفي والمناطقي . التوافق هو الحل، وتغليب المصلحة العامة هو الأساس، التنازل من اجل وطن يستوعبنا جميعا، وتغيير ننشده ودولة المواطنة والحقوق والحريات والعدالة، كل هذا لن يتم دون وعي، والوعي يحتاج للتربية والتعليم والنشاط الإبداعي والفكري، يحتاج للمدارس والجامعات ان تكون في قمة نشاطها .
أحمد ناصر حميدان
التعليم وعبث السياسيين 1245