ودعت اليمن في الشهر الأخير لعام المآسي؛ هذا الذي أوغل في دماء اليمنيين، وأبى أن يرحل إلا بزهرة النبل فينا؛ وقيل أقيالنا،أحد أصلب رجالات الوطن،وأكثرها حنكة، وإباء وشموخاً. إنه القيل اليماني، التبع القحطاني، المناضل السبتمبري، الحر الشيخ / محمد بن حسن دماج، أحد أعلام اليمن السامقة!! وجبالها الشم العرانين، جمع المولى تعالى له من صفات الريادة والشهامة والشموخ ما يندر أن يجتمع في شخص واحد؛ إلا على فترات متباعدة من الزمن!! إنه أحد فلتات التاريخ، وعظماء الدهر، وصناع المجد السبتمبري العظيم!! وليس على الله بمستبعد أن يجمع العالم في واحد!! دماج كان إرادة قدت من صخر، روحاً نسجت من طهر، قلباً مشعاً بكل معاني الحب والخير والعطاء. دماج القيل اليماني الحر والقمة السامقة إباء وعلواً وسمواً!!. كان- رحمة الله عليه- منظومة متكاملة من القيم الوطنية والانسانية والعروبية الأصيلة. هو في عالم السياسية أستاذ الفطنة والدهاء المبصر، وعقل مكتمل البنيان للفهم السليم، وفؤاد ناضج التفكير، مبدع الحل للكثير من معضلات الحياة السياسية وتعقيداتها المتشابكة. يمد جسور التواصل، ويمتّن عرى التوافق، ويشيد مداميك الثقة مع كل شركاء الوطن، ورفقاء العمل السياسي، وأقطاب البناء الاجتماعي وأعمدة الخيمة القبلية الراسخة الجذور؛ في مجتمع القيم القبلية الأصيلة؛ الممتدة في أغوار التاريخ اليمني، الضارب جذوره في عمق الزمن. دماج المعرفة والثقافة والذاكرة الوطنية الجمعية، هو آية من آيات الله! ! حباه الله سعة في المعرفة، وإلماماً بالأعراف، ودراية بالأنساب، وذاكرة حديدية للأشخاص والمعالم والأحداث؛ إن رسخت في ذاكرته فقد نحت اسمك وذاتك في صخر سبئي، يستعصي على عوامل الزمن وممحات الملمات !! هو الإداري المحنك، أبدع في كل موقع تسنم فيه المسؤولية، وحمل على عاتقه استحقاق الإنجاز الوطني والمجتمعي، وقد كان كل ذلك عطاء وتميزا. هو القيل المجتمعي، والقائد السياسي والوطني، ينحت في العقول والأذهان كل معاني العزة والفداء. يسكن القلوب والعقول والأفئدة دون استئذان، لا يحتاج إلى تأشيرة عبور أو يلزمه كثير جهد وعناء. شرفت بالعمل معه فترة قصيرة من الزمن لكنها كانت بالنسبة لي عمراً مديداً من المعرفة والتجربة والخبرة واستلهام الكثير من معارف الزمن، واحتياجات المراحل من استاذ فاق زمانه، وأقرانه، يغرس في النفوس أجمل القيم، وفي العقول أهم المعارف، وفي الوجدان روح حية تلازمك حتى الممات. إنه الفارس الذي ظل واقفاً شامخا حتى وافاه الأجل. إنه الرجل الثمانيني الذي لم تهزه عاتيات الزمن ونوائب الدهر، أو تخصم من رصيده الوطني والقيمي مغريات السلطان،أو سيوف الطغاة !! هزم الطغيان والجبروت فتى يافعاً،؛ وقارع الفساد وتغول المستبد شاباً صلباً، ومارس العمل الوطني والعطاء الإنساني رجلاً مكتمل الصفات، وصمد في وجه الجبروت كهلاً كجبل أشم لا تحنيه الرياح ولا يفتته زلزال الملامات وقاسيات الأحداث الجسام.!! لا تتسع المساحة التحريرية للوقوف على عظمة وسمو وريادة هذه الشخصية التاريخية، لكن ما لا شك فيه ومن الله نرجوه أن يكون لها رصيد بالغ القيمة عند ملك الملوك، فهو وحده المعطي والمعز والمجزي. رحمات ربي عليك يا آخر الأقيال، يا أنبل رجالات اليمن، أعز ثروات الوطن. حفظ الله اليمن من كل سوء ومكروه...
علي محمود يامن
دماج. .. وداعا يا آخر الأقيال 1176