عرفته في عام 1982م، وجلست معه جلسات كثار...فيه من القيم والنبل والشهامة وكرم الطباع واتقاد الذهن وحسن التدبير ما يكفي لقيام كيان مجتمعي وسياسي متكامل.. هو الشيخ القبلي المحيط بأعراف القبيلة وترسيماتها، وفي الوقت نفسه هو الضالع بالثقافة المدنية والسلوك المدني ومفردات ثقافة العصر. هو القارئ للتاريخ اليمني بكل تفاصيله، وهو المجتهد في سبر أغواره، والمستخرج لدروسه وعبره. هو المستقرئ لحركة وتفاصيل وتوجهات المجتمع اليمني... يفهم إيقاعات المكونات المجتمعية، ويدرك مزاجها ويعرف مكامن أسرارها وخطوط التقائها ونقاط افتراقها، مستوعباً لما يمكن تسميته بمفاتيح المجتمعات المحلية ومغاليقها وطرق ووسائل تماسكها وتعضيداتها ومكامن الثقل فيها... إنه رجل الحل والعقد والتشبيكات والتربيطات بكل امتياز. هو المثقف المدني، والثوري المناضل، والسياسي المخضرم الذي شهد نشوء الأحزاب السياسية والكيانات الثورية وساهم فيها واشترك في رسم الخطوط ووضع الموجهات... هو من عايش مؤسسي وقادة الأحزاب والتنظيمات السياسية والثورية وأقام معهم أوطد الصلات وأمتن العلاقات. هو المصلح الاجتماع الكبير الذي يمد حبال العلاقات وخيوط السلامة مع كل المكونات المجتمعية والمناطق اليمنية ويصل ما انقطع من علاقاتها ويضمد جراحاتها عقب كل انتكاسة تحدث في ميزان العلاقة بين أطرافها. هو رجل الدولة والإدارة والإنماء... أسهم في بناء الدولة وإرساء قواعد النظام الجمهوري والسلم الأهلي وإحياء التجربة التعاونية وتنمية التجربة الديموقراطية والانتخابية من خلال المهام التي اضطلع بها في إدارة مؤسسات الدولة والشأن الانتخابي والتقسيم الإداري والعمل النيابي والاستشاري وقضايا التصحيح المالي والإداري.
الفقيد الراحل/ محمد دماج، كان مرناً منفتحاً ،طيب الحديث ،حلو المعشر، سهل التعامل، طويل الأناة ، كثير الحلم، لكنه أيضاً شديد الحذر، صلب المواقف، شجاع الطرح ثابت المبدأ ، يغضب بقدر ما يحلم ويتسامح ويشمخ بقدر ما ينحني ويتواضع. جملة من الصفات والخلال والمناقب والخصال التي لا يقدر على الجمع بينها إلا القليل من الرجال، وفي الصدارة يقف الفقيد الراحل محمد دماج. سنعلم في المستقبل القريب العاجل أننا خسرنا قامة سامقة ومرجعية عظمى وسنندم كثيراً عندما نتيقن بأننا لم نستفد منها في حياتها بالشكل الذي كان ينبغي أن نستفيد منه. للفقيد الرحمة والغفران ... ولنا ولأهله ومحبيه الصبر والسلوان.. والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.