ما أتعس هذا البلد الذي فيه الكل يشكو ويبكي، من الرئيس إلى عامل النظافة، من المسؤول إذاً عن إصلاح حال هذا البلد؟ وأين دور المؤسسات والمسئوليات المناطة لدى البعض كوظائف في هذه المؤسسات، أو بالأصح ما الفائدة بحكومة بطاقهما المستنزف لخزينة الدولة، وهي عاجزة عن إصلاح حال البلد، عن ترسيخ دولة ضامنة لأحلام الناس وطموحاتهم، تلبي قناعاتهم واحتياجاتهم البسيطة. أنا كمواطن منزعج من التباكي والتشكي من بعضنا البعض، أتذمر من سماع خطاب غير مسؤول من شخص مسؤول، عاجز أن يقدم شيئاً مقنعا عن هذه المسئولية المناطة به، أتذمر من التباكي والتشكي، والنتيجة لازلنا عاجزين بنخبنا ومثقفينا في توفير أساس أولي لدولة ووطن وشعب طبيعي على الأرض. أحيانا يراودني السؤال هل نحن في الفعل الثوري؟ هل نحن شعب ثار على واقعه البائس ويطمح في التغيير لواقع أفضل؟ إذا كانت الإجابة نعم، فاين إذا هذه الثورة التي يفترض بها ان تفرض التغيير والتحول كمنهج سياسي وسلوك اجتماعي وثقافي في الناس، في العمل، في الخطط، في البرامج، في السياسات، في الحياة. والحقيقة أن ما يلاحظ اليوم أننا لازلنا متقوقعين في بؤسنا، نعزز ماضينا بسلبياته، بل نحطم بأيدينا ما هو أفضل من ذلك الماضي لنستبدله بما هو أسوأ، ولهذا الكل اليوم يشكو ويبكي من هذا السوء. حتى المواطنة الشعار الأكثر لفظاً في الفعل الثوري، اليوم لا وجود لها، لا في سياسات الشرعية الثورية ولا الشرعية الدستورية، ولا حتى في مؤسسات الدولة، الكل اليوم يدوس على المواطنة، والمواطنة تتطلب أن نكون صادقين في ذواتنا، مؤمنين بها، نعمل بكل إخلاص لتنفيذ النظام والقانون والدستور حرفياً، دون اختراق لا من تحت الطاولة ولا من فوق الطاولة، المواطنة أن يكون المسؤول موظفاً، ملتزماً بنظم وقوانين ولوائح الخروج عنها جريمة بل خيانة للثورة والقيم والمبادئ والأخلاقيات الثورية، هنا يمكن أن نجتمع على حب الوطن، مساهمين في بناء أسس تطوره، محافظين على كل ذرة من ترابه. نحن المعنيون بتعزيز قيم المواطنة، كل فرد منا، يرفض الخروج عن هذه القيم، بل يتصدى لكل تجاوزاتها، وهذا التحدي يتطلب نفساً قوية وروحاً عظيمة، تقاوم الأنانية وحب الذات والمصالح الضيقة، هل نحن قادرون؟ سؤال التحدي اليوم. إذا كنا قد وصلنا لمستوى طيب في التوظيف وفق معايير الكفاءة والمؤهل والأولوية، لتحقيق قيم المواطنة، كشوفات في وزارة الخدمة المدنية، صحيح أن هناك تلاعباً، ونفوساً أنانية ضيقة، تجد اختراقات لتلك القوانين، بالمحسوبية والفساد، كانت بسيطة اليوم الحكومة وبعض مؤسساتها بل على مستوى الرئاسة، تعيينات لا تلتزم بأي معايير ولا لوائح، ولا نظم، وزارة الخدمة المدنية لا معنى لها دون أن تنظم عملية التوظيف وفق قيم المواطنة، يتم التوظيف خارج إطار الكفاءة والمؤهل والنظم واللوائح، اليوم حتى التربية والتعليم، تقوم اليوم بالتعاقد مع معلمين خارج قوائم الانتظار، بل دون معايير.. المسؤولون جعلوا أنفسهم هم القانون وهم المعيار وهم النظم، ويختارون ما يريدون دون إعلان، أو حتى معايير عادلة تعزز المواطنة، وبكل بجاحه يقدمون الوعود لهولا المتعاقدين بأولوية التوظيف، الناس في قوائم الانتظار ومن ابناء التربويين المخضرمين الذين لهم الحق في توظيف أبنائهم وفق المعايير، أين التغيير والتحول الثوري وتعزيز المواطنة في هكذا سلوك، لا يقتصر على التربية بل يعم كل المؤسسات ومنها الجامعة، نحن نعزز المحسوبية ونمارس علناً ومن فوق الطاولة ما كان يمارسه النظام البائد من تحت الطاولة. والمزعج أن هذه المنظمات التي تقدم دعما للمتعاقدين، مثلها مثل المدارس الخاصة، تقدم فتاتاً من الريالات مقابل جهود تربوية وتعليمية تبني جيل المستقبل وتعزز فيه قيم الحضارة ومفاهيم النهضة والتطور لمواكبة العصر، براتب ضئيل لا يساوي 50 دولاراً في الشهر، ظلم وتعسف في حق الوظيفة والمهنة والتربية والتعليم مصدر بناء الأمم والحضارات والنهضة والعلم والمعرفة، في زمن ضاعت فيه القيم والمعايير وأسس البناء والإنسان الجدير بالاهتمام.. الإنسان المحترم الذي يصنع وطناً محترماً بين الأمم.
أحمد ناصر حميدان
الكل شاكي في وطن يفقد قيم المواطنة 1363