حين يكون تعامل مسؤول ما على قدر عال من الإنصاف، والكفاءة والحصافة، واحترام النفس، واحترام الآخر، والوقوف من الناس على مسافة واحدة، مع تفانٍ في العمل ونظافة يد، يصفه الناس بأنه رجل دولة، وهو بهذه الصفات الإيجابية يستحق باقتدار هذا التعريف والتوصيف. يطلق البعض على مسؤول ما مسمى رجل دولة، وهو أبعد ما يكون عن هذا المسمى، ذلك أن البعض يطلق هذا الوصف أو التسمية على مسؤول كل تصرفاته الخداع، والتملص، واللف والدوران والكذب، وحلاوة اللسان ومراوغة الثعلب، وهي صفات ومواصفات رسختها ثقافة الفساد والاستبداد، حتى راح البسطاء من الناس يرون أن هذا السلوك البهلواني هو السلوك الناجح، والتصرف الأمثل لرجل الدولة. إنها صفة المجتمعات القابلة للاستبداد، والتي لا تستنكف أن تستبدل الحسنات بالسيئات، والإيجابيات بالسلبيات، ولا تتردد في أن تهتف بالروح بالدم فداء لمتكبر جبار! مجتمع بائس، ذلك الذي يرى في المتواضع ضعفا ومسكنة، ويري في المتغطرس المتعالي قوة واقتدارا ! وعودة إلى عنوان هذه السطور؛ فإن من نقاط الضعف أن يقوم مسؤول ما بواجب وظيفته ليس طبقا لما تتطلبه الوظيفة من مهام، ولكن سعيا لإرضاء مسؤوله الأعلى ولو على حساب روح الوظيفة وواجباتها ومتطلباتها. قد تجد مسؤولا ما يلغى شخصيته، ويسقط قدراته، ويجمد عقله وتفكيره؛ فيرتهن لرغبات آخرين أو ضغوطهم، أو لمن يعتقد أنه السبب في مجيئه إلى المنصب الذي يتبوأه، فإذا هو - وهذا حاله - يتحرك وفق مشيئة من بيده ( الريموت) الذي يحركه من بعيد، بحسب أهوائه ورغباته. هذا سلوك أخرق لمسؤول فاشل؛ لكنه فشل مع سبق الإصرار، وخيبة من صنع يديه، التي سيعضّ بنانهما بعد أن يلفي نفسه وقد أبعد من منصبه. وبدلا من أن يلوم نفسه؛ يرفع عقيرته ليحمّل هذا أو ذاك أو أولئك سبب خسارته لمنصبه! من نقاط الضعف - في الظروف التي نعيشها اليوم - أن يأتي مسؤول إلى منصب وهو يشعر في نفسه أنه جاء من خارج صف المقاومة، فينشأ لديه وَهْمٌ أنه غير مرغوب فيه لدى المقاومة، وبدلا من أن يعيش واقعه فيتخلص من أوهامه بأعمال إيجابية يقدم بها نفسه لمجتمعه؛ بدلا من ذلك يلجأ إلى أن يقف موقفا سلبيا من كوادر المقاومة فيقرب حوله ممن هم على شاكلته، وقد لا يكون في هذا ضرر، باعتبار أنهم ما كانوا مع أو ضد، لكن بعضهم يقوم باتخاذ موقف من كوادر المقاومة! أو بتعيين خصوم الثورة والمقاومة بسبب من أوهامه، وبزعم تحصين وحماية نفسه، فتنشأ عن ذلك نوازع انتقامية، وتدار المؤسسة أو المرفق بكيد وتربص ومكر، والسبب الأول الوهم الذي سكن نفسية مسؤول خائب. من تلك النقاط أيضا أن يتعامل مسؤول ما على خلفية ما يحمل في نفسه من مواقف من هذا أو ذاك أو من أولئكم، ولا يقف على مسافة واحدة من الجميع؛ وذلك لجهله أو لتجاهله بواجباته التي توجب عليه أن يتعامل مع الجميع بروح مسؤولة بلا استثناء . وقد لا يكون جاهلا، وإنما تكون مصيبته في نفسية مريضة تسكنه، أو بسبب وباء من أوبئة المناطقية أو الجهوية أو السياسية أو المذهبية... فيقع تحت سيطرة هذا الوباء أو ذاك، فتكون الطامة التي تعصف به في النهاية بعد أن تكون سمعته قد تمرغت في الأوحال. المسؤولية ليست مجرد قرار يصل إليها إنسان، ولكنها عمل في الميدان يشعر معه الناس من خلال تعاملاته اليومية والحياتية أنهم أمام رجل دولة في الصبر والاستيعاب والاحتواء والتفاعل... والشعور بالمسؤولية التي تسع الجميع ولا تبخس أحدا شيئا. استشهد زيد بن الخطاب رضي الله عنه على يد رجل أسلم فيما بعد، ثم جاء هذا إلى عمر زمن خلافته فقال له عمر: والله إني لا أحبك، فقال الرجل وهل هذا يبخسني حقي؟ فقال عمر: أما هذا فلا، فقال الرجل لا بأس عليّ إذن ، إنما يأسى على الحب النساء. إن رجل الدولة كبير بأخلاقه، كبير بضبط مشاعره، كبير باستيعابه للناس ، كبير بتواضعه، كبير بعدله مع الجميع، كبير بقلب يحب الخير للجميع. من نقاط الضعف الاعتماد الأكبر، أن لم يكن الاعتماد الكلي على مطبخ إعلامي مهمته مجرد التطبيل والتلميع، واختلاق المواقف والبطولات على حساب الأفعال في ميدان العمل، بل يمضي البعض لاختلاق خصومات فينصرف بها بعيدا عن مهامه، وفوق ذلك يتخذ منها مبررات لإخفاقاته وخيبة أدائه. في منصبك؛ كن أنت ولا تكن غيرك، وكن بقرارك وقناعات ما يمليه واجب الوظيفة، لا بإيحاءات غيرك أو قرارات متطفل عليك من بعيد. فيكفيك أن تعمل بروح الفريق الواحد مع المخلصين حولك في المرفق أو المؤسسة التي أنت فيها.
أحمد عبدالملك المقرمي
من نقاط ضعف بعض المسؤولين 1021