ثورة لم تبزغ فجأة، ولم تنبثق من الصفر، ولا جاءت بلا مقدمات أو إرهاصات، وإنما جاءت لأسباب توافرت، وعوامل تضافرت، والشيء الوحيد الذي كان مفاجئا للجميع هو ذلك الخروج الشعبي المنقطع النظير، مما يعني أن الشعب بكل فئاته ومستوياته كان مهيأ لها. لا تريد هذه السطور أن تحشد مبررات وعوامل اندلاع الثورة، غير أنها لا يمكن أن تعرض عنها صفحاً أيضاً وبشكل كلي. وإن مما يمكن الإشارة إليه بصورة سريعة القول إن مسار العملية الديمقراطية التي ولدت مشوهة منذ بداية التجربة، كانت في كل عملية انتخابية تزداد تراجعاً وتدهوراً، حتى وصل بها الأمر إلى تأجيل إجرائها عن موعدها، واتجهت السلطة حينها فوق تأجيلها انتخابات مجلس النواب؛ اتجهت إلى فرض تعديلات دستورية تصادر فيها الحاضر وتؤمم المستقبل، وتؤسس لمشروع التوريث الذي كان قد سبق الإعداد له من فترة سابقة، بحيث جرى من أجله فرض تغييرات واسعة في صلب ومفاصل المؤسسات المدنية والعسكرية والأمنية، وتسخير كل عوامل وعناصر قوة الدولة لذلك المشروع. ولا داعي هنا للاسترسال في نبش تلك القضايا والأخذ في تفاصيلها. أدرك تماما أن مناصري مشروع التوريث هم أكثر من يدرك اليوم النتائج السلبية لاندفاعهم وهرولتهم نحو الاصطفاف مع مشروع التوريث وقلع العداد، وأن إدراكهم هذا -لا أشك معه أنه - سيفرض عليهم أن يصطفوا في انحياز واضح لما فيه مصلحة اليمن ومواجهة المشروع السلالي للحوثية الكهنوتية، وهو الأمر الذي تقف في مواجهته ثورة فبراير الباسلة بكل قواها وقوتها. إن مراجعة شاملة وخالية من الأثرة والأنانية والرغبة في الانتقام، كما حدث - للأسف سابقا - ولو بالتحالف مع الكهنوتية الحوثية؛ إنما سيكون تكرارا لخطيئة كبرى بتحالف سبق وأن خدم الحوثية خدمة مكنتها تمكينا ما كانت تحلم به، حتى وصل بها الأمر إلى السيطرة وتملك كل أدوات ووسائل التمكين؛ فرأت معه أن لا فائدة من بقاء ذلك التحالف فغدرت به أيما غدر، بعد تسخير تام له وتجريده من كل قوة! هذه السطور لا تريد - هنا - نكأ جراح ولا مكايدة، وإنما تشير بتواضع إلى أهمية وضرورة التقويم والمراجعة (من الجميع) والتي تجعل مصلحة اليمن حاضرا ومستقبلا نصب عين هذه المراجعة التي تستعلي على الجراح بهدف منع مضار أخرى ومن أجل ترميم جراح الصف الجمهوري؛ ليقف بكل قوته وقواه في وجه المشروع الظلامي للكهنوتية الحوثية. إن مَن منع مشروع التوريث هو الشعب اليمني، ومن يسقط اليوم المشروع السلالي للكهنوتية الحوثية هو الشعب اليمني. وإن على الصف الجمهوري أن يعيد الاصطفاف وأن ينحاز صفا واحدا وفي خندق واحد لاستكمال إسقاط المشروع السلالي المدمر.
أحمد عبدالملك المقرمي
ثورة فبراير لم تأتِ عبثاً ولا بطراً 1018