اشتعلت الثورة اليمنية الأم في فبراير عام 1948م. سيطر الثوار على صنعاء العاصمة، ففر الطاغية/ أحمد حميد الدين من تعز مخافة أن يفتك به الثوار. لكن الطاغية الجديد الهارب راح يؤلب القبائل، ويستنهض همم الجهل الذي ظلت الإمامة ترعاه وتنميه باعتباره الركيزة الأهم، و النصير الأكبر في تمكين الإمامة من السيطرة على اليمن و اليمنيين . لم يكن النظام العربي القائم -حينذاك- يتقبل أي ثورة، في حين أن الاستعمار كان هو الآخر يحرك أدواته و أجهزته لوأد أي حراك ثوري في المنطقة العربية ككل. ولذلك لما قررت الجامعة العربية- يومها- التحرك لتقديم حل للأحداث في اليمن، قررت إرسال وفد إلى صنعاء؛ ولأهمية الموضوع وضرورة الاستعجال أرسلت الوفد عبر البحر!! بعد أن جلس ينتظر وقت المغادرة، و لم تواصل السفينة سفرها نحو الحديدة مباشرة، و لكن بفعل فاعلين مرت على ميناء جدة، فالوقت من ذهب. ولظن الثوار أن وفد الجامعة العربية قد يساعد في تعزيز بسط الثورة لنفوذها، فقد قررت حكومة الثورة إرسال وفد إلى ميناء جدة يستحثه الإسراع بالوصول إلى صنعاء. كان الوقت يعمل لصالح الطاغية/ أحمد يحيى حميد الدين، الذي أسعفه الجهل فأمده بحشود قبلية تناصر من يذيقها الويلات، فيما كان المكر يعمل لخذلان الثورة التي ينبغي ألا تكون سابقة غير مرغوب فيها بالمنطقة العربية وقتها، لا من الاستعمار و لا من النظام العربي حينها. من الموافقات غير المحمودة أن يتزامن استباحة عصابات التمرد الكهنوتي للحوثي اليوم لحجور مع ذكرى استباحة الإمام الطاغية أحمد لصنعاء يوم انتكاسة ثورة 48 حيث أحلّ الطاغية الكارثة بصنعاء يوم 13 مارس 1948. لا أقول تشابهت قلوبهم في الحقد والخسة والبغض ضد اليمنيين، وإنما هي ثقافة بائسة همجية ووحشية تواصوا بها منذ الهادي الرسي، إذ هم قوم طاغون. يستبيح الطاغية السابق صنعاء أربعين يوماً، بلغ فيها الجرم حداً لا يُنسيه إلا جرائم الطاغية اللاحق، كهنوت الحوثي اليوم في حجور و في غيرها من المناطق، التي أعطتها منظمات الأمم المتحدة عيوناً عمياً وآذانا صما! يتحرك أزلام الطاغية السابق - أيام استباحة صنعاء - كجراد منتشر يأكل الأخضر و اليابس، إلى حد أن أحد عساكره ينظر إلى امرأة- حامل- مذعورة هاربة تبحث عن منجى لها، فيراها العسكري فيظنها تخفي تحت ثيابها أشياء، فيتناول خنجره ليقطع ثيابها كي يأخذ ما تخفيه، فإذا هي تسقط و جنينها على الأرض مضرجة بالدم تلفظ أنفاسها، كما ذكر القاضي الإرياني هذه الجريمة المروعة في مذكراته. طغيان الكهنوت الحوثي اليوم في حجور و غيرها؛ أشد فظاعة و إجراما من همجية جده أحمد ياجنّاه، فآلة الجريمة تطورت، و بتطورها تطورت وحشية الأزلام الجدد، فبدقائق معدودات يفجر المنزل فوق رؤوس ساكنيه، و يقتل الأطفال أمام أمهاتهم جهارا نهارا: فَنٌ من البطش والتنكيل مبتكر خليفة الله للأجيال أهداه وسقطت حينها ثورة 48، وحتى عندما أراد طلبة الكلية الحربية المقاومة، والدفاع عن قائدهم جمال جميل، قال لهم بكل حب و ثبات: احتفظوا بأنفسكم لجولة قادمة، و مضى لمصيره بكل رجولة. سقطت الثورة، لكن فتيلها خبا ولم ينطفئ، وواهم من يظن أن ثورة الشعوب يمكن أن يطفئها الطغاة، قد يعيقونها بعض الوقت، لكنها تعود أكثر قوة و أعظم أثرا. الثورات لا تنتصر بالعويل، و لا كثرة النواح، ولا ينصرها المُحْبَطون و تناجي الساخطين، و إنما تنتصر بعزم يتواصل، و إرادة تتقد لا تقبل بغير تحقيق الهدف، و الظفر بالنصر، مستمدة من الله العون و التوفيق. ستهزم جيوش الظلام بجحافل أنوار الفجر القادم، و سنفيق على فجر جديد، فالشعوب أبقى و الطغاة إلى زوال، ولتعلمن نبأه بعد حين.
أحمد عبدالملك المقرمي
يوم استباح الإمام صنعاء! 1200