أربع سنوات من انقلاب على التسوية السياسية لازال يسيطر على أجزاء من البلد، أربع سنوات على تدخل إقليمي في تحالف عربي لوقف هذا الانقلاب، واستعادة الشرعية، لتكمل فصول التسوية السياسية، ساهم في تحرير جزء من الأراضي وتعثر في تحرير الأجزاء الأخرى. أربع سنوات من حرب طاحنة، تسيد فيها العنف، وغابت فيها الأفكار، مما جعل فرض الأمر واقعا، والحوار غائبا، حرب ضاع في أجنداتها المشروع الوطني، لتتصدر المشهد أطماع داخلية وخارجية، حرب وقودها البسطاء والحالمون بالتغيير والمواطنة والحرية والعدالة الاجتماعية، والمستفيدون قوى المصالح والارتزاق والمشاريع الصغيرة التي تدمّر مشروعنا الوطني لتكون البديل السيئ. في هذه المعمعة نبحث نحن الطامحين بالتغيير عن مشروعنا الوطني، مشروع الدولة الوطنية التي تستوعب كل الأفكار والتوجهات والأطياف والأعراق والعقائد، في وطن يستوعب الجميع. ولكننا لا نجد غير الماضي يطل علينا بكل أدواته واصطفافاته، في واقع طرأت فيه الطائفية والمذهبية والمناطقية على شكل تشكيلات عسكرية وسياسية واجتماعية، واقع يتشكل بما لا يستقيم مع قيم طموحات وتطلعات الناس بالتغيير. الكل شريك فيما يحدث اليوم من تدمير وطن، بما فيه تلك القوى التي ملأت الدنيا الضجيج في الترويج للحرية والعدالة الاجتماعية والمواطنة، وعندما أتيح لها الفرصة لذلك في الحوار الوطني، لتحييد العنف وقواه، وتتصدر المشهد الأفكار والرؤى وقواها الحية، دبت في نفوسهم الشكوك في نظرية المؤامرة، وثمة أسئلة مُثارة عمّا آلت إليه خطابات بعض المثقفين ونخب سياسية يراهن عليها الناس، من يساريين وأمميين و وطنيين وديمقراطيين وليبراليين، ومؤهلات علمية وخبرات سياسية، وكل من كان يعلن أنه الحامل للمشروع الوطني وقيمه، أسئلة عن خذلان بعض تلك القوى، واصطفافها المشبوه، تحول البعض من مادي في التنظير لمثالي في الموقف، من رهان إيجابي لدعم القيم، لسلبي تابع للقوى التقليدية ومروج للطائفية والمناطقية، ضارباً عرض الحائط ما يمتلك من معرفة وما يطلع عليه من تجارب إنسانية. مواقف صادمة للبعض ممن غلبته هواجسه المذهبية فتحول لطائفي في موقفه السياسي والاجتماعي، يصطف بكل قوة لصف السيد، بل يرهن عليه، ويصفه بقائد الثورة، في تطييف للثورة وتقزيمها، وآخر غلبته هواجس العنصرية والأنانية والعودة للماضي والهوية الجغرافية، في تمترس بالمنطقة، بعقلية خضعت- في تقيمها- للموقف بمعايير طبقية لا تستقيم والمعايير العلمية للفلسفة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، متناسيين- بغباء- منتج المذهبية والعنصرية معا في تعاملها مع الآخر المختلف، مما واجد مشاحنات لا قبول فيها للآخر المختلف، منتج لا يقبل الشراكة ويحكم وحيداً بعد أن يكسر إرادة الآخر ويخضعه لإمرة, مثل هؤلاء وضعوا أنفسهم في عمق المشكلة ما لم يكونوا هم أساس المشكلة، تمترس مع الطائفية ضد المناطقية والعكس، ويشتركون معاً في مترس ضد المشروع الوطني، ضد دولة المواطنة والحرية والعدالة الاجتماعية. ما يميز هذه الجماعة أنها في برج عاجي، تحدثنا عن المقاومة والاستقلال والسيادة والإرادة، وتمارس الدعارة السياسية كسماسرة يعرضون الوطن وسيادته وإرادته واستقلاله للمساومة في البيع والشراء في الأسواق العالمية لمن يدفع اكثر، يقدمون الولاء والطاعة للطامعين مقابل القبول بهم كوكلاء في الوطن. وما أكثر حديثهم عن العدوان والإرهاب، وهم من روّج وشرّع للعنف والاعتداء على حقوق الناس، وبرّر إرهاب الآخر وانتهاكات الواقع اليوم، والعدوان والإرهاب هما نتائج أعمالهم وطيشهم وتهورهم وصلف عقليتهم المتحجرة.. ماذا تتوقع أن تنتج لك مكونات طائفية ومناطقية من أيدلوجيا وثقافة، وما هو المولود الذي سيتمخض من هكذا ثقافة وأفكار؟؟ والمؤشرات واضحة في مناطق السيطرة، منذ أن زج بالوطن في هذه الحرب التي استدعت كل الشياطين في الداخل والخارج، وما نحن فيه من ضعف وهشاشة وتمزق وشتات، في استدعاء كل ما هو بالٍ ورث قد تجاوزته ثورة الأسلاف، من طوائف ومذاهب وأعراق وسلالات ومناطق ومشاريع استعمارية وسلالية بالية. مواقف مخزية للبعض كنكاية للخصوم، في صراع سلبي بين الطوائف والمذاهب والمناطق والأفكار التقليدية، بانغماس في وحل قذر من الصراعات، يجعلهم منغمسين في جوهر المشكلة، لمزيد من المشكلات والتراكمات، حتى صار من الصعب عليهم أن ينتجوا حلاً، أو يحملوا مشروعاً وطنياً، ملامح مشروعهم ثأري انتقامي حقود، يدمّرهم من الدخل ويجعلهم صيداً سهلاً للأعداء، ويقدمهم في فوهة البندقية التي يقتل فيها الوطن والإنسان. تتساقط الأوراق الذابلة وتبقى أوراق الرهان القابضون على مشروعهم الوطني، يواجهون التحديات بشموخ سينتصرون بعزيمتهم وعدالة قضيتهم وإن لنظره لقريب..
أحمد ناصر حميدان
أربع سنوات من مخاض الحرب 1173