عندما تتابع مواقع التواصل الاجتماعي, وتقرأ الكم الهائل من الغباء، تعرف أن البعض يفقد القدرة على الفهم السليم للمشاكل التي تقترب من انتمائه الأيديولوجي، ويكون أكثر عقلانية في الغاية المخدوع فيها. بعضهم تحوّل إلى كائنات محمية بهويتها الصغيرة، طائفية ومناطقية أو حتى أيدلوجية، وأي شيء يهدد تلك المحمية ينبذه سياسيًا واجتماعيًا ودينيًا. قد تقابل أناساً تحترمهم، عملت معهم، وكانا معا في حزب سياسي وشبابي، عرفتهم مستنيرين أذكياء في حياتهم الشخصية، أصحاب مستوى مهني احترافي، وراقيين في الذوق والتعامل، ولكن بمجرد أن تناقشهم في أمور سياسية اليوم وواقعنا البائس تجدهم قد تلطخوا بهذا البؤس، وتعصبوا بعفن الهويات الصغيرة، متعصبين لمناطقهم، أو لرؤاهم، متعصبين طائفيا او مناطقيا، ومتشددين للزعامات، ويحرضون للاستبداد والظلم والقهر وسوم الآخر ألوان الذل والهوان، وكسر الإرادة والإنسان فيه، بتهم كيدية، كإرهابي، والحقيقة أنهم يصنعون فيه ذلك الإرهابي بالظلم والقهر، بما يدل على غباء لم يأخذ بعبر الماضي، ولم يستوعب درس ظلمه وقهره في ذلك الماضي. قهري على سنين من النضال، وسنين من الكفاح، وسنين من التعليم، لم تستطع أن تصون هذا الإنسان من الأنانية التي تغلبه في لحظة ضعف، لا معنى للتعلم واكتساب المعرفة ما لم تصن الإنسان من الشرور وظلم الآخرين وقهرهم دون حق، ما لم تحمي الإنسان من الأوهام والأنانية المدمرة التي تعيش فيه و تتفوق عليه في لحظة ضعف كالذي نعيشها اليوم، حيث سقط الكثير من الضعفاء في وحل الطائفية والمناطقية وظلم وقهر الآخرين، ففقدوا معنى القيم والمبادئ التي تربينا عليها في المدرسة والحزب والحياة، بل فقدوا إنسانيتهم. اليوم كثر المحرضون للمناطقية، وهم يعشون وهم، أنهم الممثل الوحيد لهذا الشعب، بوطنية ممزوجة بعفن الظلم والقهر والتعسف والاستئثار بالسلطة والحق، وهم أن كل قطرة دم طاهرة روت هذه الأرض من أجلهم، وأن الشهداء ضحوا بأرواحهم الطاهرة لأجلهم، ومن أجل مشروعهم، وكل من يعارضهم اليوم، يسومونه بكل عفنهم، ويتهمونه بخيانة دماء الشهداء الأبرار، وحتى وإن كان أخ شهيد أو أب شهيد، أو جريح، بأنانية مفرطة، ومناضل وقاتل في الجبهات بشراسة، كائنات لا تقبل الصوت الآخر، ولا التعدد السياسي، ولا التنوع الفكري، بوهم لا صوت يعلوا فوق صوتهم، دون أن يدركوا ان هذا زمن قد ولى ولا رجعة له، وان الشرفاء والمناضلين كثر لازال ضميرهم ينبض قيما ومبادئ وإنسانية لن يسمحوا بتمرير هذا المشروع العفن، وسينتصرون لمشروعهم الوطني الكبير والإنساني و إن غدًا لناظره قريب.
أحمد ناصر حميدان
الانسان الملطخ بعفن الواقع 1161