مسكين هذا الشعب وقع بين سندان الحرب وقواها العفنة ومطرقة المنظمات والجمعيات التي تدعي أنها تهتم للدواعي الانسانية، وهي تزيد من حجم معاناة هذا الشعب الانسانية.. إذا كانت الحرب قد تركت هامشاً من الحياة، يعيشها الناس بينهم متكافلين، ويقدم البعض للبعض ما تيسر دون ضجيج الصور والتصريحات، فلم تترك المنظمات والهيئات والجمعيات لهذا الهامش، إلا وتغلغلت من خلاله لتستثمر معاناة الناس، وتقدمهم في القنوات وعلى منصات التواصل الاجتماعي كشحاتين متسولين، في صور مسيئة تقدم فيها لهم بعض فتات من المعاناة التي تكتشف فيما بعد أن بعضها تالف، وقد استوطنته الحشرات ولم يعد صالح للتناول الآدمي.. لم تترك الحرب لنا فرصاً للحياة، ولم تترك المنظمات لنا مجالاً للكرامة في ما تبقى من إمكانية حياة في هذا الخراب، أو علاج أو وقاية. إذا مرضت في عدن، فالشفاء من عند الله، تبحث عن مستشفى، والفقراء لا يبحثون غير عن مستشفيات حكومية لتقديم خدمات شبه مجانية، والمستشفيات عقدت اتفاقيات مع التحالف والمنظمات لمعالجة الجرحى، ولم تترك سوى خدمة محدودة للمواطن، في فحوصات بسيطة، ومعاينة وصرف روشته العلاج وعليك للمنزل، لأن السرائر محدودة بل بعض طوابق المستشفيات الحكومية مؤجرة للتحالف والمنظمات، وإدارة المستشفيات هم وكلاء حصرون في تقديم الخدمات، وللمواطن الله وحده الوكيل، يفقد المستشفى صفة العام، بينما المبالغ المهدورة في هذا المجال بتنظيم بسيط قادرة أن تطور من عمل المستشفى ليكون عاماً، واستثمارياً في جزء منه، بشرط أن تذهب المبالغ للصالح ميزانية المستشفى، لا لبطون الفساد ووكلاء الصفقات. أما المستشفيات الخاصة، لا يستطيع على أسعارها العالية غير أصحاب الدخل الغير محدود، ومن يستلمون بالعملات الأجنبية، وأكثر من راتب، وأصحاب الشريحة التي تتصل بشبكة من يدير هذه الحرب العبثية، وبعضهم مجرد حمى وزكام، تصرف له تذاكر سفر ومصروف علاج، بينما الشرفاء والعقول والكوادر تموت كل يوم إهمالاً دون أن يلتفت له المعنيون، ومن له نصيب العزاء، أو حتى العزاء يموت الناس بهدوء دون ضجيج، ويتم دفنهم دون عزاء، والشواهد كثيرة وخاصة في الأشهر الفائتة. هذه الأيام في عدن انتشرت أمراض غريبة وعجيبة، حيرت الأطباء.. تفحص يظهر في الفحص ملاريا، وتكرر الفحص ويطلع عندك حمى الضنك، وإذا كررت الفحص يمكن أن تجد تيفود، وهكذا تستخدم كل المضادات الحيوية، وكل أنواع علاجات الأمراض التي ذكرت، وعندما تسأل الطبيب، يرد إنه البعوض ينقل هذه الأمراض مجتمعة.. المستشفيات والعيادات الخاصة مكتظة بالمرضى من هذا النوع، وفي معظمهم هبوط للصفائح، التي تجعل الفرد بين الموت والحياة، والتجربة خير برهان.. لقد خاطبني عزرائيل كثيراً هذا الأسبوعين، والتقيت بكل الزملاء والرفاق الذين فارقونا في الحياة، حتى أنني عشت معهم كم يوم بين الحياة والموت.. لا أكذب عليكم.. لا توجد خدمة صحية ولا وقاية محترمة في مدينتي عدن، كان اعتمادنا على الله وعلى البعض من الأطباء الإنسانيين، وهم قلة أما معظم ملائكة الرحمة فقد انتزعت منهم الرحمة وأخذهم الجشع والبحث عن الربح، والارتماء في أحضان التوكيلات التجارية للتحالف والمنظمات.. وفي الأخير ربك ستر وتجاوزنا المحن، وها نحن نكتب لكم هذا المقال بعد انقطاع ودعواتكم لنا بالشفاء ولأمة المسلمين من هذا الوباء، والله يستر على الوطن والمواطن
أحمد ناصر حميدان
المواطن ضحية المنظمات 1287