تتفاوت مواقفنا وتختلف توجهاتنا وتتضاد رؤانا ونكاد لا نتشابه، اللهم إلا في كوننا بشر من طين.. لكن هذا لا يعني أن يلزم أحدنا الآخر بفكره أو يدفعه للانخراط ضمن توجهه أو يجبره على السير في طريقه نحو تحقيق أهدافه. لقد خرجنا من بطون أمهاتنا مختلفين في كل شيء في ظاهرنا،، فكيف يمكن أن نتشابه في باطننا وما تخفيه قلوبنا وما تحمله عقولنا.. الاختلاف سنة كونية وفطرة ربانية، والاختلاف نعمة لمن حذق قوانين الكون وأدرك نواميسه.. فالاختلاف سبب لمعرفة أصول الأشياء وجواهرها، غثها وسمينها، جيدها وسيئها... إنه أداة قياس ووسيلة معرفة وطريقة تمييز، فالاختلاف سبب لحدوث النهضة التي تبدأ بالبحث والتعلم والتجريب والمقارنة والقدرة على التوصيف والتوظيف الجيد للنقائض والمترادفات. لقد فشلنا في الاستفادة من هذه السنة الكونية، وفشلنا في توظيف اختلافنا لصالح نهضتنا، وفشلنا أكثر حين ظننا أن اختلافنا سبب وجيه وقوي لتبرير خلافنا.. فها هو الاختلاف قد تحوّل إلى خلاف، وها نحن نتحول عبر هذه المعادلة من طرف الضحية إلى طرف الجلاد ودون أن نعي أننا بهذا خرجنا عن صراط الفطرة في الحكم والمواطنة على السواء. غير أن من سنن الكون- أيضا- ونواميسه التي تبقيه في حالة توازن القوة، نعم القوة، قوة الحق التي تعيد ترتيب ما بعثرته يد الظالم وتعطي المظلوم ما سلبته سلطة البطش الجبروت. ما نحن بحاجة إليه اليوم، هو سلطة الحق ولا شيء سوى ذلك، فالقوة- التي يصنعها الباطل- ستنتهي بانتهاء أهدافها، غير أن سلطة الحق باقيه لأن أهدافها قائمه حتى يضع الله الموازين القسط. نعم قد يحاول البعض تغيير الغايات من أجل تبرير الوسائل، لكن هذا لا يصنع الفرق في الانتصار على ظالم ظاهر وآخر خفي، فلطالما اختلفت السبل، لكنها لم تخالف الوجهة.
ألطاف الأهدل
مختلفون ولكن.... 1252