متى نتحرر من الخداع الذي يسلبنا أحلامنا وتطلعاتنا, متى نتحرر من الاستلاب الفكري, لنكن ضعفاء بشخصيات هزيلة تابعة فاقدة للخصوصية، مسخ أفكارنا لملء الفراغ بفكر دخيل يسهل استخدامنا كوقود يشعل صراعات وحروب تدمرنا. بعضهم يهرول متحمسا دون وعي خلف دعوات مشبوهة، ويكتشف انه كان مجرد ادة تنفذ اجندات اطراف داخلية وخارجية، يجد نفسه اداة تخريب للصالح العام والوطن، منذ نصف قرن ورياح المصالح والاطماع تنتج اعاصير تجر معها كل عقل عاجز على التفكير خاوي ومسلوب ومتعصب، وكل من يعيش وهم الشعارات والاحلام الوردية، وتجريب المجرب الفاشل، والرهان على العنف والتخلف والعصبيات في حسم الخلاف. من شروط نجاح أي خطوة تغيير لما هو أفضل، يجب أن يقودها الوعي والعقل، والإنسان العقلاني هو الذي يمتلك الذات الحرة المستقلة القادرة على التفكير دون معوقات ذهنية وأيدلوجية وعصبية، فالمسلوب مرتبط ايدلوجيا أو عصبياً أو مأجور مرتبط ماديا، أو عاطفي تجره أمنياته الغير واقعية، لا مساحة لديه في حرية التفكير ليحدد موقفاً واختياراً موضوعياً وعقلانياَ وأخلاقياً. ما يحدث من شحن وتحريض، وما تنثر من أموال وما يشترى من ذمم، وما تقدم من إغراءات، وما تدغدغ من مشاعر، وما نسمع من وعود وكلام معسول وأحلام وردية والمدينة الفاضلة، ولا نرى تغييرا مطمئناً في الأدوات والمنظومة السياسية والفكرية والعقلية، لا نجد غير تدخلات تفتت المجتمع وتقسّمه لجماعات وفئات وعصبيات وأيدولوجيات، تمارس الاستلاب الذي يتعرض له المجتمع اليوم لاصطفاف غير وطني وانقسام حاد في المجتمع، والنتائج تصعيد وتأزيم لمزيد من التراكمات فوق تراكمات الماضي، والنتيجة مجتمع كسيح معاق لا يستطيع أن ينهض ليكون أمة محترمة بين الأمم. ما حدث من اقتحام للاتحاد العام للنقابات، واقعة مرصودة لا يستطيع أحد نكرانها، ولم تكن من فراغ، كان على طريق اقتحام بعض المؤسسات، تحت مبرر محاربة الفساد، بأدوات العصبية وحماس غير واعي ونتائج غير محسوبة، نعم نحن بحاجة للتغيير والتخلص من القيادات الكسيحة، وتفعيل دور النقابات العمالية، وهي كيان مستقل له أدبيات ووثائق تنظم عمله، وله أعضاؤه ونقاباته المنطوية. كان الأجدر تحريك الركود من الداخل لدورة انتخابية شاملة، وألف نعم نحن بحاجة لمحاربة الفساد، لكننا لسنا بحاجة للفوضى اليوم، استئثار طرف سياسي أو مكون اجتماعي بتلك المؤسسات الجماهيرية والعمالية أو مؤسسات الدولة مرفوضة أخلاقيا ووطنياً، نحن بحاجة لثورة وعي قانوني، ثورة ترسخ النظام والقانون ليضبط إيقاع الحياة والعلاقات، يضبط الاختلاف والخلاف، ويدين المتهم ويبرئ البريء بقضاء عادل ونيابة عادلة، ما حدث هو صورة من ذلك الماضي المرفوض، صور تعبر عن الأناء والأنانية، لمن لا يرى في الدنيا سواه، و استعادة دولته التي تلبي قناعاته دون الآخرين. تلك العقلية أفشلت كل تجاربنا في تحقيق تطلعات الناس في المواطنة والعدالة والحرية، في وطن نتعايش فيه بسلام كشركاء بالمسئولية متساوين في الحقوق والواجبات، وكم هي التراكمات التي لازالت آثارها في النفوس، ولن تقبل الناس منظومة سياسية مهما كانت التسمية لا تحقق تلك التطلعات، الإنسان مراقب جيد للأحداث التي يعيشها، وعلمتنا التجارب المريرة أن نستنبط من الممارسات والسلوكيات والعقلية التي تدير المشهد السياسي اليوم المستقبل، فلا نقبل أن يجرنا فكر أو أيدلوجيا أو عصبية لنكون وقودها في معركتها الخاصة، وتصفية حساباتها، الحر لا يقبل أن يكون أداة تخريب. البعض يزدري من مواقف الآخرين واختياراتهم يكفرهم ويخونهم، بل يكيل كل تهم الدنيا فيهم، ولو تعقل قليلاً في تفكيره، وكان منطقيا في نظرته، لاكتشف أنه من حقهم، وأنه مخطئ، بل قد يكون حججهم أكبر من حجته، وقد يكتشف أنهم على حق وهو على باطل، العقل عندما يتزين يغير من الصورة الذهنية ويتخلى من الأوهام، ويتحرر من الاستلاب وتتضح الصورة الحقيقية للواقع.
أحمد ناصر حميدان
العقلاني عصي على الاستلاب 1227