تطور العالم واستطاع أن يهزم الفيروسات والطفيليات القاتلة التي كانت تفتك بالناس في الأوبئة والأمراض.. العالم هنا يقصد به الدولة المتطورة التي تنفق على التعليم وتنمية الإنسان والبحث العلمي والتجارب العلمية أكثر مما تنفقه على غرائز التعصب والعنف، من ترسانة أسلحة وقوة استخباراتية تحمي الحاكمين أكثر من حمايتها الإنسان وحقه في الحياة الكريمة والتفكير والتنمية. وتبقى الأمم المتخلفة التي لا تهتم للتعليم والبحث العلمي مجرد مستخدم لما ينتجه الآخرون، وأحياناً يكون مستخدماً سيئاً، نتيجة التخلف عن ركب الحضارة بسبب تعصبها الأعمى للأيدلوجيا والطائفة والأعراق والمناطق. أسوأ ما يقتل الإنسان هو التعصب.. بالتعصب زالت حضارات وفشلت دول وتجارب إنسانية عظيمة.. التعصب هو رفض الآخر وانحياز تام للذات، مما يصعب على المتعصب أن يرى بموضوعية، التعصب هو عمى الألوان الفكري وفقدان البصيرة الواعية للحكم على الأمور باتزان. المتعصب لا يحترم الآخرين، فالتعصب العقائدي لا يحترم العقائد الأخرى ولا المذاهب ولا الأطياف، وهكذا التعصب السياسي يرفض قبول الرأي الآخر والفكر السياسي الآخر، وهذا ما يشحن المتعصب بالعنف ضد الآخر، كالتعصب المشجعين في كرة القدم، لا يعترف المتعصب بالنتيجة، فنلاحظ إثارة نوبات عنف شديدة في الملاعب. إذا التعصب مشروع قتل واستباحة أعراض وانتهاكات وقهر وازدراء من الآخرين المختلفين، هو منبع للكراهية والعنصرية وهو القاعدة الفكرية لصناعة العنف والتدمير، هو مشروع انتحار للمتعصب نفسه ومن حوله والوطن الذي يسكنه. يتسلح المتعصب بأدوات العنف، محاولاً إلغاء كل أدوات العقل والتنوير والفكر، لهذا أكثر بيئة صالحة للتعصب هي الحروب، يستخدم فيها المتعصب كوقود لإشعالها واستمرارها، يستخدم كأداة سهلة لتنفيذ أجندات غير وطنية ولا تخدم حتى مصالح المتعصب ذاته، فالمتعصب سهل التغرير والسحر بالشعارات والوعود الكاذبة، ممكن شحنة بصورة ذهنية واستخدامه على طول يكون صالحاً للفتنة والقتل والفوضى والتدمير الذاتي. ما يحدث اليوم في بلدي اليمن ومدينتي عدن هو نتاج لتعصب قاتل سيطر على فئة، واستخدمت لضرب الثورة الشعبية وتطلعات الناس في مستقبل آمن ومستقر يسوده الحب والتسامح يحقق المواطنة والكرامة ويسهل حق تقرير المصير بطرق آمنة وسلسة، من قبل الثورة المضادة وداعميها الإقليميين، بل من قبل الطامعين بوطن وأرض وإنسان. كل المجرمين على مر التاريخ هم متعصبون، واليوم مجرد ما تظهر استدلالات الجرائم يظهر لنا المتهمون من الأكثر تعصباً ضد الآخر، من يحملون خصومة فاجرة تفجّر مواقف عنيفة تقتل وتستبيح وتنتهك أعراض الناس لتشبع تعصبها، والبقية مجرد أدوات ينجرون خلفها متعصبين أيضا لفكرة أو حل أو منهج سياسي وديني. إذا التعصب هو الإرهاب بذاته، إذا أردنا محاربة الإرهاب علينا بمحاربة التعصب، وتجفيف منابعه، علينا مواجهة التعصب كفكر بفكر التنوير، والانفتاح للأفكار الأخرى، وهنا يأتي الاهتمام بالعملية التعليمية والثقافية والتنمية البشرية، لأشغال العقل بما هو اهم من التعصب، هو البناء والتنمية، بالبحث العلمي لنتطور كسائر أمم المعمورة لنكون أمة محترمة
أحمد ناصر حميدان
التعصب يلغي العقل 1273