أكبر خديعة تتعرض لها الأمم هي الحروب، التي تدمر الأواصر وتشق الصف وتشرخ النسيج الاجتماعي، بل تخدش النفوس، وتسبب إعاقات نفسية وجسديه، توزع الحزن والألم والقهر والظلم بين الناس، في الحرب تخيم على المدينة ظلمة قاتمة وقاتلة، وخوف ورعب وفزع، يعيش مع الطفل طول حياته، ومع الراشد بقية عمره، ينهك الروح، ويقضي على ما تبقى من حياة جميلة في المدينة، يغير مسار حياة الكثيرين، ويفقد المدينة أهم ما فيها من الروابط الاجتماعية والروحية، تداعيات الحروب وخيمة على المجتمعات، لا يحتاج الإنسان لذكاء ليعرف النتائج الكارثية للحرب، يكفي أن يتابع قنوات الأخبار عن مناطق الحروب، يكفي أن يشاهد العراق وسوريا وليبيا واليمن..., والمدن المدمرة، الهاربون من مناطق الاشتباكات واللاجئون والمنفيون والمرحلون وحياة الشتات، وجثث الأطفال والنساء والرجال، ما ذنب تلك الأنفس البريئة، والناس العاشقة للحياة والسعادة، ما ذنب المجتمعات المسالمة والآمنة والمدنية، التي تكره الحرب والموت في سبيل سلطة زائلة وأطماع في الحكم وتسيد منطقه أو قبيلة أو فكر أو أيدلوجيا. الحرب يخطط لها الطامعون، ويختار أدواتها من المأجورون، وهي تختار ضحاياها من الأبرياء والصادقون.. والمنافقون معظم شعبية المنتصر في المعركة. أقذر ما في هذه الخديعة، هم المطبلون للحرب، وهم لا يعرفون حقيقة اندلاعها وخفايا نواياها، يكفي أن يعزف لهم مخرج هذه الحرب نغمة تدغدغ أمنياتهم ويرقصون عليها، يطبلون للحرب منتظرين قطف ثمارها، قطف قهر وظلم وتعسف هزيمة إخوانهم وجيرانهم بني جلدتهم، وإذا بهم بعد الحرب يكتشفون الكارثة، كم قتيل وكم معوق, وحجم الدمار في الممتلكات والنفوس، مجرد إحصائيات يتداولونها ولا يدركون، حجم القطيعة والتراكمات التي تركتها الحرب، حجم الشروخ الاجتماعية والسياسية، حجم الفرقة والشتات. وأكثر قذارة في هذه الخديعة هم المطبلون وهم في أمان، بينهم وبين الحرب مساحات ما لم تكن محيطات، لا يسمعون أصوت مدافعها ولن تصيبهم طلقات قذائفها، يطبلون لها وهم تحت برودة المكيفات، وسخونة المدفآت، ونعيم البلدان التي يعيشون فيها باستقرار وحرية وعدالة في وسط اجتماعي واعٍ وراقٍ ومتحضر يرفض الحرب والصراعات السلبية، لم يكتسبوا تجربة ولا وعياً وفكر وثقافة هذا التحضر الرافض للحرب. المنتصرون في المعرك، هم أكثر المهزومين في الحرب، يعيشون بقية حياتهم رعب الخصم والانتقام، رعب جعلهم أكثر رعباً لمن تحت سلطتهم، يشيدون المتارس، والجدران حول مساكنهم وثكناتهم، ويشددون القبضة الأمنية والاستخبارات والحرس الخاص، ينامون وعيونهم مفتوحة، مرهوبين ويشددون على إرهاب الناس لطاعتهم، وتبدأ مرحلة تصفية الحسابات للخصوم والأفكار والتنوع الاختلاف، مرحلة البطش والسجون والإرهاب، بينما المهزوم الآخر يستعد لمعركة الانتقام، في مسلسل من الحروب المتوالدة. الحرب هي وسيلة المهزومين ثقافياً وأخلاقياً وروحياً، ساحاتها البلدان المتخلفة، وأدواتها من المجتمعات الأكثر تخلفاً وتعصباً، تديرها استخبارات دولية وإقليمية طامعة، لديها مال فائض ووقت فائض لتمارس اغتصاب العقول وهدر الأرواح واللعب على التناقضات، وتنهب ثروات الشعوب وتحتكر الحياة لنفسها بقتل وتدمير حياة الآخرين، مستخدمة منهم المغفلين لتجعل منهم قادة ورؤوس تدار بالكونترول، وأسفاه على بلد التاريخ والحضارة والإرث، تلعب به جماعة باغية وطاغية لا حضارة لها ولا تاريخ يذكرها، لمجرد أن فيها مغفلين كثر قابلين للاستخدام السيئ، والإيجار الأسوأ.
أحمد ناصر حميدان
خديعة الحرب 1236