هناك أوجه عدة للهزيمة في بيانهم المعلن أحدها إشكالية تسمية الدولة التي لها ينادون, مما يؤكد عدم امتلاكهم مشروع للدولة والهوية, غير الوهم الذي خدعوا به أتباعهم طوال الفترة الماضية برفعهم شعار "استعادة دولة الجنوب العربي" والذي اختفى من البيان تماماً, واتضح اليوم أنها مشروع لا وجود له في الحقيقة فعلاً بل كذبة صنعوها لتأليب الناس وتأجيج الكراهية في عقولهم ضد اليمنيين جنوباً وشمالاً وبين الجنوبيين أنفسهم، عن طريق هذه التسمية التي خدعوا الناس بها بعنوان (استعادة دولة الجنوب العربي) والذي كان هدفهم الرئيسي في خطاباتهم وبياناتهم ودعاواهم. ولتوضيح الأمر لن أتحدث عن الدول والمسميات والأصول القبلية الواحدة والنواحي التسع وهي التسمية التي ظهرت عام 1873م التي تشمل كل من القبائل التالية (العوالق ويافع والفضلي والعبدلي(لحج) والأميري (الضالع) والعقربي والحوشبي والعلوي والصبيحي) والتي كانت تقول بأحقيتها دولة المملكة اليمنية المتوكلية، والتي تم الاتفاق حولها بين بريطانيا وبين الدولة العثمانية في ٩ مارس ١٩١٤م، بما يسمى في الخرائط بالخط البنفسجي الدولي وهو الخط الفاصل بين الجنوب والشمال حتى 1990 م وبه تمت التسمية "شمال وجنوب"، بل سأكشف زيف بيانهم وباطل دعواهم من أقوالهم وشعاراتهم, فلقد ذكروا في بيانهم بثاني كلمة اسم "الجنوب" وذكروا ما أطلقوا عليه "دولة الجنوب الفيدرالية" في البيان وتخلصوا من اسم "دولة الجنوب العربي" الذي رفعوه طوال الفترة الماضية مما يؤكد ما طرحناه مرارا بأكذوبة ما تسمى دولة الجنوب العربي، كشعار وهوية وواقع، دعونا نناقش أزمة الدولة والهوية لديهم ولماذا أسقطوا اسم "الجنوب العربي" من بيانهم بما يلي: أولاً: رفعهم لعلم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والمطالبة بدولة الجنوب العربي. وهذا يشكل أزمة هوية دستورية وقانونية وسياسية وجهل وغياب للمشروع, ونوضح ذلك بالنقاط التالية: -المناداة والشعار لا يستقيمان ولا توجد علاقة للربط بينهما بالمطلق, فالعلم يرمز لدولة كان إسمها "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" نشأت على دولة اسمها "جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية" والتي أعلن ميلادها عام ١٩٦٧م وهي التي ألغت المسمى البريطاني "اتحاد الجنوب العربي" وضمت لها حضرموت (سلطنة الكثيري والقعيطي) والمهرة بالقوة عام ١٩٦٧. هذه الدولة ذابت عن طريق الاتحاد الطوعي مع دولة اسمها "الجمهورية العربية اليمنية" شكلت الدولتين دولة وحدة اندماجية اسمها "الجمهورية اليمنية" في ٢٢ مايو ١٩٩٠. وصدر القرار الجمهوري بالاستفتاء على دستور الجمهورية اليمنية يوم 15، 16 / مايو 1991م وكانت النتيجة بالموافقة على الدستور بنسبة 98.2 % ومعارضة 1.5 % وبنسبة مشاركة تجاوزت 70 %. وبمفهوم الفقه الدستوري والقانوني، والقانون الدولي، فقد انتهت الدولتين وذابتا في الدولة الجديدة والتي نشأ عنها عقد دستوري وقانوني وسياسي جديد، الغى ما سبقه, ودولة الوحدة بشخصيتها الجديدة نشأ عنها مركز دستوري وقانوني وسياسي جديد, ربط دولة الوحدة بمعاهدات ومواثيق واتفاقيات دولية منها ترسيم الحدود مع دول الجوار مثل معاهدة جدة التي عقدت 12 يونيو 2000م لترسيم الحدود بين المملكة العربية السعودية والجمهورية اليمنية بشكلها النهائي, ومع سلطنة عمان حيث تم توقيع اتفاقية ترسيم الحدود بصنعاء بتاريخ ١٢ نوفمبر 1992م , وغيره من المعاهدات والمواثيق الدولية. -اسم اليمن في تسمية" جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" ينسف دعوى اليمننة التي جعلوا منها حائط ضم ومبكى وعدوان, كما أن النجمة ترمز لأسم صانع وباني دولة ما قبل الوحدة "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" وهو الحزب الاشتراكي اليمني، وهنا يتكرر اسم اليمن مؤكداً جذور ووجود اليمننة كدال ومدلول، في تسمية الدولة ودستورها ووثائق الحزب المؤسس. وهذا العَلم الذي يرفعونه رمزيته هي للدولة والحزب، كما أن دستور الدولة التي يرفعون علمها يؤكد بأن اليمن أرض واحدة وشعبها واحد, وينص بأن كل مولود يولد لمواطن من أبوين يمنيين يعتبر من أبناء "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" ووثائق الحزب المؤسس للدولة تؤكد وحدة الأرض والشعب والدولة في كل أدبياته, وهذه الدولة خاضت قبل الوحدة حربين على الجمهورية العربية اليمنية وأنشأت الجبهة الوطنية لضم الشمال للجنوب. ثانيا: الجنوب العربي التسمية والدلالة والحدود والمكونات: -التسمية الرسمية لجنوب الوطن أثناء الاستعمار. كانت التسمية الاستعمارية لجنوب الوطن هي "مستعمرة عدن ومحمياتها الشرقية والغربية". -الواقع المعاش حينها : وحول الواقع والمدلول ونشأت الجنوب العربي, سأستشهد هنا بكتاب (محطات رئيسية في مسيرة حزب الرابطة "رأي") الذي أعده أحد قيادات رابطة أبناء الجنوب الشيخ/ محسن أبو بكر بن فريد الطبعة الأولى عام 2009م. وفيه يصف الوضع في جنوب الوطن (لاحظوا جنوب الوطن) صفحة 8 بما يلي: "تمزق جنوب الوطن إلى حوالي 23 سلطنة وإمارة ومشيخة , مع محاولة الاستعمار البريطاني أن يفصل عدن عن الجنوب ويربطها بالكومنولث البريطاني". ويضيف وصف حالة المنطقة ووضعها بنفس الصفحة "حياة بدائية وتخلف رهيب في معظم المناطق, جهل كامل إلا بعض المدارس المحدودة في عدن وحضرموت ولحج والفضلي, وكتاتيب متفرقة لقراءة القرآن الكريم وتعليم القراءة والكتابة, وبعد الشعب عن أي مشاركة حقيقية في كيفية حكمه وتصريف شؤون حياته. ويضيف في صفحة 10 " انتشرت أكثر من 23 سلطنة وإمارة ومشيخة توزعت على مواطنيها خمس جوازات سفر الأول لعدن مواطن بريطاني, والثاني للمحميات الغربية, والثالث للقعيطي والرابع للكثيري, والخامس للمهري كمحمي بريطاني" وأضاف بنفس الصفحة وعلى رؤوس هذه التقسيمات سلاطين وأمراء ومشايخ " على رأسهم جميعا حاكم بريطاني في عدن ومعتمد بريطاني لكل محمية من المحميات, وضابط سياسي أو مستشار لكل منطقة, ويضيف عن عدن بنفس الصفحة " تضم عدن كثرة من المستوطنين الأجانب وقلة من المواطنين الأصليين, ويطلب من المواطن القادم من المقاطعات المحيطة بعدن شهادة ميلاد "مخلقة" إذا طلب العمل أو أراد الدراسة هناك" ولذلك فكل من ليس مولودا في عدن وليس مواطن فيها يطلق عليه "جبلي" من أي منطقة كان، وهنا بدليل بين وشهادة لا تدحض، تتضح أكذوبة التمدن والتقدم واختلاف الثقافة عن شمال الوطن كما يدعون. -الجنوب العربي عند الرابطة الدلالة والحدود والمكونات: (الجنوب العربي هو اليمن الطبيعية) وأمام هذا الوضع كانت الرابطة هي من سمت جنوب الوطن "بالجنوب العربي" كتسمية مضادة للتسمية الرسمية البريطانية المتداول " مستعمرة عدن ومحميتها الشرقية والغربية, كما أشار المؤلف لذلك تحت عنوان لماذا اسم الجنوب العربي صفحة 16 ويضيف في صفحة 17 " اختارت الرابطة اسم الجنوب العربي الكبير (اليمن الطبيعية) ليشمل الجنوب والشمال, وكانت أول هيئة تطلق على المنطقة سياسيا اسم (اليمن الطبيعية)". وفي صفحة 17 يحدد الأمر بوضوح لا لبس فيه مؤسس الرابطة السيد محمد علي الجفري في نص محاضرته التي ألقاها في اتحاد طلبة الكويت في القاهرة مساء يوم الجمعة ٢٨ ديسمبر 1956م بقوله " في واقع الأمر بل وفي مصطلح الحركة الوطنية في الجنوب يطلق (الجنوب العربي) على اليمن الطبيعية لكافة أجزائها ونواحيها فحدود (الجنوب العربي) إذن هي المملكة العربية السعودية شمالاً, وبحر العرب جنوباً, والخليج العربي شرقاً, والبحر الأحمر غرباً, وبذلك تشمل كلمة (الجنوب العربي) المملكة اليمنية المتوكلية, عدن, وما يسمى بمحمياتها الشرقية والغربية وعمان. -اتحاد الجنوب العربي البريطاني مر بالمراحل التالية: -مولد الفكرة الإتحادية: هي فكرة بريطانية بعد ثورة ٢٣ يوليو في مصر والمد القومي العربي, بدأ بها "كندي تريفاكس" مستشار محمية عدن الغربية, وفي عام 1954م قدمت بريطانيا مشروعين للمحمية الغربية والمحمية الشرقية دون عدن, وأسقط المشروع بمعارضة اليمن ومصر والجامعة العربية والحركة الوطنية, وتكررت المحاولة عام 1956م وتم إسقاط الفكرة مرة أخرى. -اتحاد إمارات الجنوب العربي: هو مكون أنشأته بريطانيا في ١١ فبراير عام 1959م وفق معاهدة صداقة وحماية مع المملكة المتحدة, والحاكم الفعلي له المندوب السامي البريطاني وتأسس من ستة إمارات وسلطنات ومشيخات هي (إمارة بيحان, وسلطنة العوذلي, وسلطنة الفضلي, وإمارة الضالع, ومشيخة العوالق العليا, وسلطنة يافع السفلى), وعام 1959م انضمت إليه سلطنة لحج, وفي مارس 1960م انضمت اليه (العوالق السفلى, والعقربي, ودثينة). -اتحاد الجنوب العربي: في شهر مارس عام 1962م تم إعلان اتحاد الجنوب العربي أيضا تحت إمرة الحاكم البريطاني وانضمت اليه إمارة الواحدي من المحمية الشرقية, ولم تنظم له حضرموت (سلطنة القعيطي وسلطنة الكثيري) وسلطنة المهرة. وفي ١٦ يناير ١٩٦٣ تم إبرام معاهدة حماية ورعاية أخرى مع بريطانيا نصت على انضمام عدن إلى الاتحاد , وفي ١٨ يناير من نفس العام تم ضم عدن بالقوة إلى الاتحاد تحت معارضة شديدة من المواطنين الرافضين ضم عدن للاتحاد الذي سموه بالمزيف وتم خلال معارضة أبناء عدن لهذا الاتحاد المزيف إحراق المجلس التشريعي ومطالبتهم ببقاء عدن للعدنيين كمستعمرة تتبع الكومنولث. ومن يريد تفاصيل أكثر عن هذا الاتحاد الزائف الذي لم يكن له أي تمثيل دبلوماسي مع أي دولة، ولا يستطيع أي حاكم أن يقيم علاقات وتعاون مع أي دولة, عليه قراءة الكلمة التي القاه المحامي شيخان الحبشي عام 1963 أمام لجنة تصفية الاستعمار، في الجمعية العامة للأمم المتحدة وأودعت كوثيقة هناك، فضحت زيف هذا الاتحاد وأكذوبته، أوضح فيها حقيقة مسمى الدولة الكاذب، فعن أي دولة يتحدثون. مما سبق ندرك الإشكالية المرتبطة بأكذوبة الجنوب العربي فهم يجدون أنفسهم في هذه التسمية أمام خيارات أحلاها مر، فإما الجنوب العربي الذي نادت به الرابط وهو اليمن الطبيعية شمال وجنوب من صعدة للمهرة، وإما اتحاد إمارات الجنوب العربي المكون من ست سلطنات ومشيخات، وإما اتحاد الجنوب العربي المكون بضم عدن اليه بالقوة, وبدون حضرموت والمهرة, هذه الإشكالية هي التي جعلتهم يشطبون "استعادة الجنوب العربي" من بيانهم ونضالهم، دون اعتبار للدماء المسفوكة ولا للكراهية المزروعة، وكأن الشعب قطيع من الأغنام قادوه بالأمس تحت مسمى مشروع كاذب واليوم يقودوه نحو وهم جديد كاذب، لقد استنفذت أكذوبة "استعادة الجنوب العربي" هدفها لهم، وخدعوا بها الناس وقادوهم لحروب وكراهية، تحت دولة وهم وزيف. واليوم تم استبدال هذا المسمى بشعار جديد وبتسمية جديدة (استعادة دولة الجنوب الفيدرالية)، التي لا وجود لها وأنا هنا أسألهم كمواطن يمني ما هو اسم هذه الدولة التي يريدون استعادتها، ومتى كانت وما اسم رئيسها، وهل كنت عضواً في أي منظمة عربية أو دولية، لأنه لم يكن هناك وجود لما يسموه "دولة الجنوب الفيدرالية " طوال تاريخ الجنوب. القرآن والفلسفة يقولان الوجود الموضوعي هو وجود الدال والمدلول فالشمس لها إسم يدل عليها ولها وجود موضوعي يراه الناس يؤكد وجودها، بينما العدم هو وجود الدال من غير مدلول، كعلم الله وقوانينه في الكون فلها وجود موضوعي خارج وعي الإنسان، وعند اكتشاف وجودها تصبح مدلولات، ولذا فإن "استعادة دولة الجنوب الفيدرالية" ليس له وجود لا في الدال ولا المدلول، فلا وجود لها عبر التاريخ اليمني يؤكد هذا الوجود ليتم استعادته فهي عدم ووهم. وأسأل الجميع إلى أين تقودنا مشاريع الزيف والانقلاب ففي شمال اليمن من انقلاب إمامة زيدية إلى إمامة خمينية، وفي جنوب اليمن من انقلاب استعادة دولة الجنوب العربي إلى انقلاب استعادة دولة الجنوب الفيدرالي، وكل ما يحدث في جنوب الوطن هو توظيف للقضية الجنوبية التي لا حل عادل لها، غير المرجعيات لحل المشكلة اليمنية المتفق عليها، بقيام دولة اتحادية لوطن واحد ومواطنة واحدة، دولة تتأسس على مبدأ المواطنة لا العصبية تحت أي مسمى، وغير ذلك اكاذيب وباطل ووهم تستهدف تمزيق اليمن تمهيداً لتمزيق الخليج، ومن يقوم بهذه المهمة هو من كان بالأمس وما يزال جزء من المشروع الفارسي للتمزيق. نحن أمام مشهد جنوني عبثي ساخر نجد فيه العدو الفارسي المعتدي على اليمن والمنطقة، يأمر أتباعه بالمحافظة على الوحدة اليمنية والشقيق والحليف الإماراتي الذي أتى لنصرة الشرعية اليمنية بمشروعها ودولتها ووحدة أراضيها كما نصت عليه قرارات مجلس الأمن، ووفقاً لمهمته في تحالف دعم الشرعية،يمول اتباعه ويأمرهم بتمزيق الوحدة اليمنية. لكني أمام كل هذا اجدني واقفاً متأملاً ومرتلاً كلام الله ووعده (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أو يَقْتُلُوكَ أو يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) الأنفال ٣٠. (اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ۚ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا) فاطر ٤٣. (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) البقرة ٢٢٦. وبقراءة هذه الآيات أزداد يقيناً بالنصر لأن الباطل وهم زائل وما ينفع الناس هو الحق وهو اليمن الشرعية والمشروع وهو باقٍ في الأرض ومنتصر بحول الله. ١٦-٨-٢٠١٩
د. عبده سعيد المغلس
أكذوبة الدولة ومأزق تسميتها في بيان الهزيمة للمجلس الإنقلابي بعدن 1110