أوائل سبعينات القرن العشرين تَقدّم شابٌّ نحيل تم قبوله للتو في الكلية الحربية بصنعاء –تَقدّم- إلى وسط ميدان التدريب بالكلية رافعاً صوته بالأذان لصلاة الظهر لينضمّ إليه العشرات من الطلبة لتأدية الصلاة في مشهد عُدّ حينها مخالفة للوائح وأعراف الكلية التي تمنع مظاهر التدين أو إقامة شعائره وفقاً للنظام الذي أعدّه ضباط عراقيون وأردنيون للكلية الوليدة في ذلك الحين، وهو النظام الذي تم كسره وتغييره بعد ذلك الموقف العفوي الذي يعكس الفطرة المتدينة لابن القبيلة اليمنية التي لا يستقيم فيها استنساخ تجارب بيئات وثقافات مغايرة تجاوز خصوصيتها. ابتداء بأذان صلاة الظهر ذاك بدأ اسم علي محسن الأحمر بالظهور المتصاعد في مسيرة عرّاب العسكرية اليمنية، قطب الرحى في التأثير القبلي والمؤثر في المواقف المختلفة، وشوكة الميزان في تنظيم علاقات المجتمع بالسلطة، الرجل الذي حافظ على توازنه وحضوره الفاعل في بلدٍ لم تهدأ التفاعلات فيه طيلة سبعة عقود من عمر الثورة السبتمبرية حتى الآن. الاستهداف الكبير والممنهج الذي يمارسه الذباب الإلكتروني ومغردو التشكيلات الاستخبارية وبعض السائرين دون وعي وراء ركب مهاجمي رجل سبعيني يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية اليمنية ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة والأمن؛ أقول بأن حجم هذا الاستهداف والتشويه الذي نتابعه حالياً ضد علي محسن الأحمر يجعل الكثيرون يتساءلون عن موقعة في معادلة الصراع الحالي وعن الأسباب الحقيقية التي وضعته ضمن دائرة الاستهداف لمنظومات وأجهزة دول معينة تقع على رأسها الإمارات العربية المتحدة، وهل نحن كيمنيون بحاجة وجوده في قيادة هذه المرحلة؟ بحسب كثير من قارئي السياسية والتاريخ فإن الصراع الحالي في اليمن يعد صراعاً عربياً إيرانياً غير معزول عن الغايات التاريخية لهذا الصراع، ووفقاً لهذا التوصيف فإن من أهم الصفات التي ينبغي أن يتّسم بها من يتصدر قيادة المرحلة هو إدراكه لطبيعة المعركة وخلفياتها، وهي الصفة التي تتوافر في تكوين شخصية الفريق محسن الذي كانت آخر محطات تشَكُّل هذه الذهنية لديه حين كان قائداً ميدانياً لحروب إخماد التمرد الحوثي في صعدة المدعوم إيرانياً لمدة خمس سنوات أكسبته خبرة واسعة بطبيعة معارك إيران في الجزيرة العربية؛ هذه الصفة بالإضافة إلى صفاته الفطرية وخبراته الميدانية هي ذاتها التي توفرت في الرئيس الشهيد صدام حسين الذي واجه المشروع الإيراني سياسياً وعسكرياً، والذي ما زالت العرب تبكيه بعد أن فرطت به وزهدت فيه بفعل حملات التشويه وتقارير التزييف للعدو المتربص، وهي التجربة التي لا ينبغي أن تتكرر كي لا يستمر بكاء العرب حين تفقد سواعدها وسيوفها المصقولة يتميز الجنرال علي محسن الأحمر–الذي يحمل زمالة الدكتوراه في العلوم العسكرية من كلية ناصر بجمهورية مصر العربية عام 1986م- يتميز بخبرته العسكرية العملية منذ معارك جيش الجمهورية في الستينات، ومعارك السبعينات في المناطق الوسطى، ومعارك إجهاض مخططات الانقلابات العسكرية التي تبنتها قوى يسارية في الثمانينات، ومعارك الدفاع عن الوحدة في إطار توجهات القيادة العسكرية للبلد في التسعينات، ومعارك إخماد التمرد الحوثي التي بدأت في العام 2004م، وصولاً لمعارك واستعادة الدولة منذ العام 2014م حتى الآن. كل تلك المحطات أكسبت الرجل خبرة عسكرية متراكمة قلّما تتوفر لدى غيره. وبالنظر إلى السيرة العسكرية للرجل فإن من أبرز السمات التي تلازم شخصيته هو انضباطه الكبير بتعليمات قيادته العسكرية التي نفذ كل تلك المهام في إطار توجهاتها وأوامرها المباشرة هجوماً أو انسحاباً، غير متجاوز إلى معارك خاصة أو استغلال مقدرات القوات التي تتبعه رغم ضخامتها في حسابات ومشاريع غير وطنية. وعلى صعيد آخر فقد أسهم الجنرال محسن إسهامات كبيرة في مختلف المراحل والمنعطفات من خلال قربه من مصدر القرار السياسي في البلد وقدرته على التأثير فيه سواءً في ملفات الحكم ووشائج ارتباط السلطة بالتكوينات المجتمعية، أو في ملفات العلاقات الخارجية وسيما العلاقة اليمنية السعودية حين كان نائباً للأمير خالد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود في اللجنة العسكرية السعودية اليمنية المشتركة لمعالجة الاختلالات العسكرية والأمنية بين البلدين وحل الحدود في مطلع الالفينات. وعلى الصعيد المجتمعي والقبلي يتمتع الجنرال محسن بقدرة تأثير كبيرة على أغلب مشائخ ووجاهات اليمن في شمال اليمن وجنوبه لما عرف عنه من مصداقية وبساطة وإكرام لكل الوافدين إليه دون تمييز بين انتماءاتهم أو ولاءاتهم، وهو الأكثر تأثيراً حالياً لدى مختلف القيادات المجتمعية والعسكرية من مختلف القبائل والمناطق اليمنية. ونظراً لأهمية دور الجنرال محسن وتأثيره الطاغي في ملف الجيش ومختلف ملفات السياسة والاجتماع فقد عمدت ماكينات علي عبدالله صالح منذ وقت مبكر وبالتحديد منذ مطلع الألفينات إلى محاولات تقويض دوره والتخلص منه على كافة المستويات باعتباره خطراً وجودياً على مشروع توريث حكم اليمن لنجل صالح، فبالنظر إلى خارطة التأثير داخل أسرة الحكم القبلية (سنحان) فقد سبق وتم التخلص من كافة القيادات العسكرية المكافئة لصالح بعضهم بالتصفية الجسدية كما حدث بتفجير مروحية (العبر) التي كانت تقل مجموعة من كبار الجنرالات المنتمية لنفس الأسرة وعلى رأسهم القائد العسكري محمد إسماعيل أبو حورية والقائد العسكري أحمد فرج وغيرهم عندما تحركوا على متن تلك المروحية في مهمة إلى محافظة حضرموت بتكليف من صالح نفسه، وكذلك تدبير مسرحية محاولة اغتيال صالح من قبل ابن أخيه علي صالح لتقييده بتلك الحادثة حتى اليوم، وبالنسبة للجنرال محسن فقد كان من جهة أكثر ذكاء وفهماً لأساليب صالح وأفخاخه، ومن جهة أخرى فإن حاجة صالح إليه كانت ما تزال كبيرة في ذلك الوقت، ما رسم خطة التخلص منه تدريجياً عبر إضعافه وتشويهه في وقت متزامن مع بناء قوة بديلة بقيادة نجل صالح (الحرس الجمهوري). كان علي عبدالله صالح قد كلف علي محسن الأحمر بملفين اثنين في إطار ترتيب البيت الداخلي للأسرة الحاكمة لضمان ديمومة علاقة إيجابية بين السلطة والمكونات الاجتماعية، وهما: ملف القبائل، وملف الإسلاميين، في الملف الأخير هذا كانت مهمة الرجل احتواء الإسلاميين سواءً من الحركة الإسلامية التي عرفت فيما بعد التعددية السياسية بحزب التجمع اليمني للإصلاح أو الجماعات السلفية، نجح الرجل في إدارة هذا الملف واحتوائه سيما وأنه يتمتع بصفات فطرية عفوية تميل إلى التدين وهي الصفة التي ظهرت مبكراً كما أشرنا لذلك في بداية هذه المقالة حين كان طالباً في الكلية الحربية في الستينات التي تتسم تلك الفترة بعدم وجود استقطابات منظمة لأي من المشاريع الإسلامية أو القومية ما يعني أن الصفة التي تميل بشخصيته إلى التدين كانت عفوية مثله مثل غيره من أبناء شمال اليمن المتابعين لحركة المدّ الشيوعي القادم حينها من جنوب الوطن ودعوات الإلحاد التي أسهمت في إحداث ردود أفعال مناوئة ظهرت كسمات شخصية لدى أصحابها كالتمسك بالدين ومظاهره. لكن صالح وهو الثعلب في السياسة رغب لاحقاً في أن تكون علاقة الرجل بذلك الملف الذي كلفه به هي ما يمكن أن يضرب الرجل منها، فبدأت أجهزة السلطة وأدواتها الإعلامية تحاول تأطير الجنرال محسن في خانة تصنيف سياسية وفكرية لا وجود لها أساساً؛ لكنها ورقة رابحة في ذلك الوقت يمكنها فرز علاقاته الداخلية بالشخصيات والمشائخ على هذا الأساس، ولحصره خارجياً في دائرة تقييم محددة لا تسمح له بتولي دور منافس على كرسي الحكم، وهذه الوظيفة المنظمة هي التي ما زالت تتكرر حتى اليوم ويمارسها كتاب وإعلاميين وسياسيين إماراتيين في ظل مناخ إقليمي ومزاج دولي يساعد على قبولها. في المرحلة الحالية التي يدور فيها الصراع الحالي فإن أعداء اليمن وداعمي مشاريع الولاية الإيرانية يدركون أن الصخرة الصلبة أمام مشروعهم التخريبي والسلطوي هو الجنرال علي محسن الأحمر لما يتمتع به من خبرة كبيرة ولما يمتلكه من تأثير كبير لدى كافة المكونات الوطنية، ولأنه الشخصية التي يثق فيها قطاع عريض من القبائل والقيادات والأحزاب بنائب الرئيس علي محسن الأحمر هي إحدى نقاط القوة التي تمتلكها الشرعية اليمنية في معركتها العسكرية والسياسية الحالية التي يفهمها أكثر من غيره، ونفوذه وتأثيره الطاغي لدى مختلف الشرائح والشخصيات والقبائل والأحزاب اليمنية الذي هو حصيلة عقود من التجارب لا يرتبط بمنصب سياسي، ولا يحدّ منه إقصاء وظيفي، فبالأمس القريب كان محسن مجرداً عن أية مهمة رسمية لكن الوفود والشخصيات والمكونات التي كانت تتوافد على مقر إقامته في الرياض أكثر من عدد زائري مكاتب أصحاب المسؤوليات جميعها.