"منذ تعرضي للتعذيب فقدت القدرة على الشعور بالسعادة، فقدت الإحساس بطعم الأشياء".
العبارة السابقة استوقفتني كثيرًا، وقد وردت في شهادة المواطن السوسدي مروان لطيف لفيلم # أحزمة_الموت. الفيلم الصادم الذي بثته قناة الجزيرة بالأمس عن السجون السرية للإمارات وعملية الاغتيالات.
طريقة حديث مروان ملفتة للنظر. هذا توصيف لا يقوله اليمني العادي في الأغلب، اليمني الذي لم يذق طعم الحياة بعد، يتألم لكنه يتلعثم في وصف ألمه، لا شك أنه يدرك الفرق بين حياة السجن والحياة خارجها لكنه يعجز عن توصيفها بشكل دقيق، لربما أن الفارق بين الحياة داخل السجن وخارجه ضئيلة نوع ما، ولربما أن اليمني لم يعتاد الحديث عن جروحه، يعيشها ويترك للزمن مهمة ترميمها دون أن يحظى بفسحة للتوقف ومعالجة هزائمه بالكلمات.
وحده مواطن ذاق طعم الحياة يستطيع قياس هول البشاعة وادراك الفارق بين حياته الطبيعية والحياة الوحشية في دهاليز السجون الإماراتية.
كنت أقارن بينه وبين حديث اليمنيين وأشعر بالأسى، قد لا يكون الرجل أكثرهم تعرضًا للعذاب، لكنه أكثرهم قدرة على كشف آثار الألم على حياة الإنسان بشكل عام. بدأ مروان بشكل أنيق وآثار الحياة الجيدة تتجلى على ملامحه، فيما اليمنيين الذين أوردهم الفيلم أشكالهم باهتة وأجسادهم نحيلة ومعذبة. تحدث اليمني بنفسية مسحوقة ولسان مرتبك، نبرته الخفيضة تكشف حجم العذاب الذي تعرض له بأكثر مما يفعل كلامه.
بخلاف مروان تحدث عن الجرائم بلغة بليغة، تعكس فصاحة الذات المفزوعة واليقظة، الذات القادرة على استشعار الصدمة بصورتها الخام، وتلك حساسية مواطن اختبر الحياة ابتداء ثم عاش لحظة مواجهة أولية مع الفظاعة واستطاع قولها بلغة جيدة، كما لو أنه أديب يقف أمام الجرح بذاكرة صافية وقادرة على التقاط أبعادها النفسية على كينونة الإنسان.
الإمارات لا تعبث ببلادنا سياسيًا واقتصاديًا فحسب، بل يتعدى ذلك لتدمير الحياة الداخلية/النفسية لقطاع كبير من اليمنيين، دولة سافلة تستخدم قدراتها الأمنية فائقة التعقيد وأدوات الدولة الحديثة بكامل وحشيتها لتمعن في إذلال اليمني وتطويعه كليًّا. لن ننسى هذا العداء المهول والغرور الطافح الذي تعاملنا به، ويومًا ما سنقتص لليمني من جلود أولاد زائد ونعلمهم أن العبث بكرامة الناس، سلوك شنيع ولا يمكن للضحية أن يحظى بفرصة للنقمة من جلاديه دون أن يسلخ جلودهم عن العظام.
#احزمه_الموت_الإماراتية