لماذا ننكر حقيقة ما نعانيه من رذالة المناطقية المقيتة، وان كانت قليلة ولله الحمد، لكن جورها جاثم على واقعنا، ومؤلم على علاقاتنا وحياتنا، هي داء أصابنا ووباء ينهش مجتمعنا، هي سموم خطيرة تبث الكراهية لتصل لأعلى مستوى من العنصرية، ما أمسنا بالإفصاح العادل عن معاناتنا لنتجاوزها .
لا ننكر أن الألم يسري في مجتمعنا كالهشيم، يضعف صف التوافق الوطني، ويقوي صف التوافق المناطقي، فيدمر بنيان وحدة الامة ومشاريعها الوطنية الكبرى، لصالح الفرقة والشتات والتمزق لمشاريع صغيرة، لا ننكر هشاشة النسيج الاجتماعي اليوم وتوسع الشروخ فيه، إننا نتآكل من الداخل ونتهالك، ونحن أضعف من أن نفصح بعدل عن خطورة ما نمر به، ونمتلك الشجاعة لنقيم واقعنا بصورة علمية، تقييم قيمي وأخلاقي وروحي، لنتمكن من تقييم مسارنا السياسي.
للذين ينكرون تأثير المناطقية اليوم على اختياراتهم ومواقفهم السياسية، وهي متأصلة في سلوكياتهم، ينظرون بأنصاف وعدل لاصطفافهم، على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي اليوم، التي تتميز فيها المجموعات على أسس مناطقية، وتبث أخبار مناطقية وكراهية للأخر، هذه حقيقية جعلت من مواقع التواصل الاجتماعي منابر مناطقية تبث كراهية وتحريض وحشد ضد الآخر, بكم هائل من المغالطات والمفبركات، والفتن والسموم، وامتداح القبيلة والعشيرة وذم وتعزير الآخرين، وفي اقصى مستوى من الاحترام بث الكراهية في عسل مسموم من الشعارات والمشاريع والأوهام، دغدغة للمشاعر والتطلعات والأحلام، وفي النهاية يصاب المجتمع بالخذلان والاحباط، وكم خذلنا وأحبطنا، ولم نستوعب الدرس إلى الآن.
من المؤكد انه سينكر انه مناطقي، ما لم يتهم إفصاحك للواقع بالمناطقة، فما أن يصل لمسؤولية ما، فيفضل أن تكون بطانته من منطقته بل اقرب الناس إليه مناطقيا، ويحتكر كل قرارات التوظيف والترفيع والدعم والتكريم لمنطقته، تفضيلا لهم على غيرهم ضاربا بمصلحة الوطن والوحدة الوطنية عرض الحائط التي تؤكد على نبذ التفرقة والمعاملة بين أبناء الوطن بالسواسية، مرتكزات دولة المواطنة.
واحيانا يتعرض هولا المسؤولين لضغط قبلي من قبائلهم، كما يطلق كفخر اليوم فلان قبيلي، ولسنا ضد القبيلة فهي مكون اجتماعي له احترامه، يسقط هذا الاحترام عندما تفرض بديلا للدولة، وتخترق كل القيم والقوانين والدساتير والشرائع، لتصنع تمايز عرقي جهوي، وتفرقة بين الناس فتخلل المساواة والعدالة ومرتكزات دولة المواطنة .
من سخرية هذا الواقع البائس، تهب القبائل لنصرة أبنائها، اذا أقيل من منصب أو تعرض لظلم وتعسف، فتهب قبائله في احتجاج تدعي انه سلمي وفيه من السلاح والأطقم الذي يوازي ما بحوزة مؤسسات امن الدولة، في مشهد يعبر عن أن القبيلة أحيانا تضع راسها براس الدولة، وتفرض واقع يخدم أبنائها ويخلخل عدالة الدولة نفسها وقوانينها، في سلوك مناطقي مقيت .
الأكثر إيلاما أن تجد مكونا سياسيا وعسكريا تسيطر عليه المناطقية، في توزيع غير عادل للمسئوليات فيه، مما يجعل منه مكونا مناطقيا اكثر من أن يكون وطنيا، في أقصاء وتهميش لحق الآخرين في التمثيل، وفي جريمة تاريخية عندما يفرض نفسه ممثلا للناس وهو باخس لحقهم في التمثيل العادل .
كل قوانين العالم وتشريعاتها، السماوية والوضعية، كل القيم والمبادئ والأخلاقيات تنبذ المناطقية والكراهية، الا العالم المتخلف، وهو العالم الأكثر تأخرا عن مسار العصر والنهضة، لان المناطقية تنخره وتعيق تقدمه ونهضته، هي داء خطير تجاوزته الأمم المحترمة، ولازالت غارقه فيه الأمم التي لا تحترم نفسها، فمتى نحترم انفسنا ونرتقي قيما ومبادئ ونترفع عن المناطقية للوطنية، ليكن الوطن منطقتنا وقبيلتنا، وكل شيء يهون من اجل الوطن ويتقزم امام الوطن ولا يعلو عنه شيء، ولا يصوت يعلوا عليه .