الخطر المعيق للتوافقات، ونجاح الاتفاقات، أن البعض امتهن روح العداء، وصار الوضع المريح له والمربح أن يبقى في صراع مع أعداء يفترضهم، ليتم توظيفه من قبل أطراف الصراع الدولي والإقليمي.
لا قضية لهذا البعض غير العداء مهما ألبسها ثوباً قشيباً من الوطنية والحرية والاستقلال، فلا تجد لتلك المعاني في ثقافته وعلاقاته وروابطه مع الشركاء في واقع الأمر.
هذا البعض أعجز من أن يكون إيجابياً ويبث إيجابية في المجتمع الذي يعيش فيه، أعجز من أن يواكب متغيرات العصر، تسكنه فوبيا المؤامرة والعدو الذي يتربص به، الذهنية لديه مشحونة بالعداء والأعداء، فيبث سلبية قاتلة، أفكاره، منشوراته، رواياته، كلها شيطنة وعداوة، مفرداته كلها مسيئة للآخر المختلف عنه، يرمي فشله وعجزه على الصورة المركبة في تلك الذهنية، منها يستمد مبرراته في أن يمارس عداءه لكل مختلف معه سياسياً فكرياً ثقافياً، أو حتى عرقياً ومناطقياً وطائفياً، فإذا به يمارس العنصرية بكل قباحتها.
هذا النوع أصبح اليوم مع متغيرات العصر والتكنولوجيا مسخرة في مجتمعة، يضع نفسه في خانة الغباء بل "والاستعباط" بعقول من يخاطبهم، عندما يضع خصومه شماعة لكل الإخفاقات والجرائم والإرهاب، عندما يحكم مسبقاً ويقرر تنفذ حكمه، دون تقصٍ للحقائق، وإن كانت الصورة واضحة وضوحاً لا يخدم أجنداته، يغشش وضوحها لتغيير مسار حقيقتها، مضطراً لممارسة الكذب والتدليس، وحبل الكذب قصير جداً، فيقع في عدد من الفضائح.
لا أعتقد أن مثل هؤلاء يخاطبهم ضمير إنساني حي، أراهنهم أن مجرد ما أن يخاطبهم ضمير إنساني، سيعرفون أن عدوهم هو أقرب الناس إليهم، يعرفونه من مجرد التفكير ببغض الشخصية، بالنفور من حولهم، إذا تفحصوا ذاتهم بوعي في مرآة عاكسة فسيجدون عدوهم الحقيقي يحدق فيهم من تلك المرآة.
هذا البعض يتوقف لديهم الزمن في مرحلة معينة، ويغرق في وحل تلك المرحلة، ويعجز عن مواكبة المتغيرات من حوله، تتطور الأمم حوله، وتنتقل من مرحلة لمرحلة، تتغير التحالفات والمواقف والاختيارات، تتغير الأولويات والظروف الموضوعية والذاتية، وهو غارق في تلك المرحلة التي تكونت لديهم صورة عقيمة عن البعض، ويسكنه كره وانتقام عصي على التغيير، في نهاية المطاف يكتشف إنه عدو لنفسه ومصالحه وقضيته ومشروعه السياسي.
مثل هؤلاء لقمة صائغة، وضحية سهلة لمصيدة الطامعين والمغرضين بالبلد، هم أفضل سلعة للاستثمار السياسي والعسكري والإرهابي، أفضل معول هدم وأداة تدمير وتخريب وطن وأمة.
هذا البعض مجرد نزوة تجتاح البلد، مصيرها الفشل، ولنا في الماضي تجارب وعبر، والعالم يتغير وحركة الكون تسير للأمام تدوس على كل من يقف ضد تيارها المتقدم، وترميه لمزبلة التاريخ ليكن عبرة لمن لا يعتبر ومن لا يتعظ، ها هم العرب في كثير من الأقطار ينتفضون ضد كل مرجعية تريد أن تحاصرهم بفكرها وأجنداتها، ينطلقون ليلتحقوا بالعالم المعاصر والمتغير، عالم السباق العلمي والتكنلوجي والابتكارات دون صراعات واستجرار أمراض الماضي وصراعاته وثقافة العداء للآخر المختلف.
العالم اليوم يقدّم للآخر كل الضمانات التي تهيئه ليكون فاعلاً إيجابيا في المجتمع، تقدّم له مساحة كافية من الحرية والانضباط العادل، ليكون شريكاً فاعلاً ومحورياً في الحياة، دون اجتثاث وإقصاء وتهميش وعداء، لتجنب خلق بيئة حاضنة للإرهاب وراعية له فكراً وثقافة وسلوكاً، وتحاربه قولاً وزوراً وبهتاناً.