في الخريف الماضي قال نتنياهو، أمام حكومته، إن جيش إسرائيل هاجم مؤخرا مائة هدف إيراني في سوريا. وقبل عامين نفذت إسرائيل، عن طريق 26 مقاتلة، هجوما شاملا على أهداف إيرانية في مناطق متباعدة داخل الأراضي السورية ومع الأيام توسعت إسرائيل وهاجمت التشكيلات العسكرية الإيرانية، وقواعدها وخطوطها، في لبنان والعراق وسوريا.
بقيت إيران متفرجة وصابرة، حتى وهي ترى عسكرييها وآلاتها تسحق على نحو متكرر. لم يتجرأ النظام الإيراني على إصدار احتجاج رسمي كما تفعل الدول، وفضل بدلا عن ذلك تطوير وسائل التخفي والتمويه أمام إسرائيل. فمثلا كان بمقدوره القول إن قواته في سوريا تعمل ضمن اتفاقية مع الحكومة هناك وأن الاعتداء عليها يعد إعلان حرب وخرقا للقانون. إيران لا تعرف هذه اللغة، وخيالها لا يذهب بعيدا حد تخيل قواعد القانون الدولي. النظام في طهران يواصل سلوكه كمنظومة إرهابية ويسمح باستهداف مصالحه باعتبارها نقاطا إرهابية. يصل حجم الحرس الثوري قرابة 150 ألف جندي، أي ثلث القوة العسكرية الإيرانية. صنفت هذه المؤسسة الضخمة كمنظومة إرهابية ولم يتعاطف معها أحد. إيران، من ناحيتها، لم تحاكم مثل هذا القرار على المسرح الدولي، ولم تسع لنيل التعاطف العالمي، فهي تتفق مع أميركا حول طبيعة الحرس الثوري (المجاهد، بالتعريف الإيراني). ومثلما عبثت إسرائيل في الأجواء وهاجمت القواعد الإيرانية في المنطقة، بما فيها تلك التي لا تزال تحت الإنشاء، سيتحرك ترامب وسيسكع إيران وفقا لدالته الخاصة بأمن بلاده القومي ومصالحها بالأمس كان مزهوا بصنيعه حتى إنه قال في مؤتمر صحفي لقد جعلت إدارتي العالم أكثر أمنا.
إيران لم تنجح في التحول إلى دولة، بقيت تراوح مكانها كمنظومة إرهابية ترفض التعامل مع الدول وتفضل العمل السري والعصابوي. جاء مقتل سليماني داخل الصورة نفسها، فالجنرال الكبير تسلل إلى العراق دون دعوة رسمية، وربما باسم مستعار، قادما من سوريا التي ربما تسلل إليها بالطريقة ذاتها. في بغداد استقبله زعماء ميليشويون لا يمثلون أي قانون ولا يمتلكون صفة وظيفية معرفة برلمانيا/ تشريعيا، وتصنفهم أميركا الحليفة لدولتهم إرهابيين. تحرك سليماني، كعادته، خارج القانون. وخارج القانون أيضا رصدته أميركا وقتلته.
تقف إيران عاجزة أمام الإذلال الإسرائيلي منذ سنين، وستواصل الصبر والتلقي أمام البطش الأميركي، فهذه الأنظمة العصابوية لا تقوى سوى على مواطنيها غير المسلحين. لاحظوا أن النظام الإيراني ليس استثنائيا في الشرق الأدنى، وراقبوا الخوف والوجل لدى نظرائه العرب أمام الآلة العسكرية التركية. فالإمارات، على سبيل المثال، التي تتباهى في كل مسرح دولي بأنها ستواصل سحق "الإخوان المسلمين"، أي أولئك المواطنين الذين يواصلون المطالبة بانتخابات عامة، ها هي تقف عاجزة أمام القوة العسكرية التركية، أي أمام الإخوان المسلمين في زي الجنرالات. الحقيقة أن الجيش العربي مثل الجيش الإيراني صنع ليقتل لا ليحارب. ذلك أن مهندسيه قادة عصابات وسارقو بلدان لا منظومات حكم تمثيلية وقانونية..
إنهم، جميعهم، لا يجيدون الكر
بل الحلاب والصر، حد تعبير شاعر عبس القديم.