في لقائه الشهير مع غولدبيرغ (ذا أتلانتيك، 2016) قال أوباما إن القبيلة Tribalism هي القوة المدمرة الأكبر في الشرق الأوسط، هي الارتداد إلى الطائفة، العشيرة، القبيلة، والقرية هرباً من الدولة الفاشلة. الدولة العربية الفاشلة تخلق القبليات، والقبليات تصنع مشاكل الشرق الأوسط. قدّم الرجل نصيحته للإدارة السعودية: ادخلوا في سلام بارد مع إيران cold peace، واقتسموا النفوذ. توصل ترامب إلى استنتاج أوباما، وهو أن الشرق الأوسط لا بد من إعادة تخطيطه وتقاسمه بين الدولتين، ذلك أن نموذج الدولة الفاشلة هناك سيحول على الدوام دون استقراره.
على السعودية أن تعترف بالحقائق الجديدة: لا سبيل إلى صنعاء أو بغداد، وقعت العاصمتان في المجال الحيوي الإيراني وانتهى هذا الفصل من التاريخ عند هذا الحد. صنعاء فارسية، ولن تكون غير ذلك في العقود القادمة ما لم تحدث مصادفات ذات طبيعة كوكبية. ربما ستتعقد القسمة أكثر مع توغل الأتراك في المنطقة، وهو توغل يحدث كليا في المجال الحيوي السعودي لا الإيراني.
المايكرو - حرب الإيرانية الأميركية التي شاهدناها انتهت لصالح إيران، ومن الواضح أنها ستدفع بكل السبل لإخراج أميركا من العراق، ولأول مرة أعلنت رسميا عن مقتل ضباط من الحرس الثوري في اليمن، كانوا في مهمات قتالية. خسرت السعودية فرصة استعادة صنعاء، وبدلا عن مساندة النظام الجمهوري خلقت السعودية وحليفتها جماعات وتنظيمات تحت دولتية ومزقت الفرصة السانحة لصالح إيران.
في وسط العاصمة صنعاء دمرت المقاتلات السعودية "منصة السبعين"، أشهر الرموز المادية للجمهورية. على الناصية المقابلة للمنصة بنى الحوثيون ضريحا ملكيا، يضاء باللون الأخضر في الليل. تركوا المنصة في حطامها. يمكنك مشاهدة سكان العاصمة وهم يحتفلون بمناسباتهم أمام الضريح الملكي، ومثل الملكيين تجاهل السكان المنصة الجمهورية المدمرة وأداروا لها ظهورهم.
لا يزال إيرانيون يقيمون في أوروبا منذ 1979 ينتظرون انكشاف الغمة ليتمكنوا من العودة إلى بلدهم. تمكنت الغمة من كل شيء، وصارت نظام حكم شامل قابل للبقاء لعقود كثيرة. تلك هي الحقيقة الخارجة من صنعاء. في الواقع تمالأ اليمنيون ضد أنفسهم وخربوا الجمهورية بالأدوات الملكية والآن هم يتزاغطون ويتصايحون في الشتات كأنهم غيرهم!
انتهت الحرب في اليمن، وانقسم البلد إلى اثنين: يمن مستقر يدور في المجال الإيراني، ويمن ممزق يدور في المجال السعودي، هو تجسيد حقيقي لخيال تلك الدولة وحركتها.
في الأيام الماضية برز الحوثيون إلى الواجهة كجزء من القوة الإيرانية، ومستقبلا ستتدبر إيران المسائل المتعلقة بشرق نجد، حيث النفط والأغلبية الشيعية. السعودية التي بقيت تتفرج على ما جرى في الأيام الماضية كانت أكبر الخاسرين. عليها الآن أن تعترف بالحقائق، وفي مطلعها: إدراك أن صنعاء ذهبت شرقا ولن تعود، وأن عليها أن تستأذن قبل الذهاب إلى بغداد.
الرد الإيراني على أميركا نظر إليه باحترام، أو هكذا على الأقل تعاملت معه كبرى الصحف الدولية، بوصفه استعراضا مشروعا للقوة. لم يحدث أن أطلقت دولة ما صواريخها ضد الجيش الأميركي منذ بيرل هاربر، ديسمبر 1941. فعلتها إيران ودفعت أميركا المنقسمة على نفسها إلى الوراء، وقريبا ستخرجها من المجال الحيوي الساساني برمته لتبقي هي سيدة الشرق الأدنى. هاجمت إيران بصواريخها "ابن الملهى الليلي"، كما هو الوصف الذي أطلقه روحاني على ترامب، وقدمته للعالم على ذلك النحو.
وفي دول عديدة قدمت إيران استعراضا جماهيريا مذهلاً قال للعالم إن إيران ليست نظاماً، كما تردد الإدارة الأميركية، بل أمة. تلك الأمة تعيش زمن صعود العالم الشيعي. في السنوات الماضية مكنت إيران شيعة سوريا، 15% من الشعب، من الانتصار في حرب مدمرة ضد أغلبية كاسحة. في المقابل نكبت السعودية جارتها اليمن، ذات الأغلبية الجمهورية، شر نكبة.
علينا أن نعترف بالحقائق الآن وليس غدا. وعلى رأس تلك الحقائق صنعاء التي ذهبت شرقاً، ولعقود كثيرة.
وأن على السعودية أن تقتسم النفوذ مع إيران قبل أن تضيق عليها الجغرافيا من كل جانب..