الحرب تتقيأ ما في جوفها القذر من سوأ، ويسود مشهدها اقذر ما في المجتمع، قذارة متخلف جاهل متعصب يمتطي بندقية، ويقتل وفق مزاجه القذر، واكثر وقاحة في هذه الحرب الشعارات التي تحدثنا عن مظالم وماسي الماضي، وهي تكررها في حاضرنا بفجور دون خجل، خطاب يصدح ليدغدغ مشاعر الناس، ويقودهم للمهالك دون وعي، ويستخدمهم كوقود لحرب عبثية هم اكثر الخاسرين فيها.
الحرب هي تهديد للحياة، كان بالسلاح والعنف، او بفتح أبواب تنتشر من خلالها الأوبئة والأمراض الفتاكة، هذه الأبواب هي اللامبالاة بحياة الناس وبالمسئولية الوطنية والانسانية، هي الإهمال في النظافة وتصريف امن للمخلفات الأدمية والحيوانية، حرب حولت الوطن لوحل اسي و بيئة حاضنه للفيروسات، ومزار للحشرات والبعوض والذباب الناقل للأمراض والأوبئة، وتكاثر الكلاب الضالة والجرذان والحيوانات الناقلة للأمراض الفتاكة، وسوق تجارية رابحة للبضائع الفاسدة والتالفة والمسمومة، في ظل تغييب للدولة ومؤسساتها وإفراغها من الكوادر والمؤهلات، ليحل محلهم من خارج ذوي الاختصاص والمعرفة، في معيار وظيفي ضيق ماناني قذر يستهدف تلك الدولة، هذه الدولة التي جعل منها الفاسدون قربانا لفسادهم وإفسادهم، وصارت ضحية السلطة والعارضة معا، فاسدون يحاربون الفساد، في توافق مع الإرهابين الذي يحاربون الإرهاب.
اليوم نسمع عن أمراض لم يعرفها الوطن، ولم تعرفها عدن، سمعنا عن حمى الضنك والملاريا والتيفود والكوليرا، والحميات بشكل عام، ومع هذا الكم من الأمراض التي فتكت بكثير من الناس في ظل نقص العلاج، وغياب الوقاية والنظافة، والإهمال والتقصير جعل بيئتنا موبوءة تسكنها الفيروسات وتعيش فيها بحرية، وتتزاوج لتنتج من هذا التزاوج أمراض مركبة، واعظم اكتشاف لليمني هو مرض (المكرفس )، المكرفس ليس حمئ الضنك المكرفس هو مصطلح يمني فقط لمرض اسمه شيكونغونيا Chikungunya.
المواطن العادي في عدن يتسأل عن برامج (الوقاية خير من العلاج ) كبرنامج محاربة الملاريا والكوليرا والحميات، كانت عدن قبل أن تستهدف الدولة وكوادرها، تعج بحملات محاربة البعوض بالرش، وكنا نشاهد سيارات رش المبيد في شوارع عدن، ونشاهد المسئولين يديرون هذه الوقاية بجدارة، وكنا نشاهد الدكتور عارف احمد علي المسئول عن هذا البرنامج وهو يقود العملية بنفسه، كادر محترم، ومثل هولا المحترمين الذين يمثلون دولة محترمة، يتم استهدافهم، وتم مطاردته واعتقاله ثم محاولة اغتياله واصابة نجله، فرض عليه ترك الوطن، ومن حينها لم نعد نرى أي سيارة رش، والبديل لإدارة برنامج الملاريا في عدن كان من غير ذوي الاختصاص ولكن أخيرا تم تعيين مدير عام برنامج مكافحة الملاريا في الجمهورية من ذوي الاختصاص والخبرة حيث كان يشغل مهام مدير محور حضرموت والذي نتمنى أن يصحح الخلل الحاصل في عدن، مع تمنياتنا له بالتوفيق وتتاح له فرص العمل المهني، لكن الدولة لم تعد قادرة على تنفيذ برامج، دولة محاصرة في معاشق، وبعضها مهاجر، والقائمين على الارض لا علاقة لهم بالدولة، ولا يريدون ان يكونوا دولة، ولن يسمحوا للدولة ان تمارس مهمها الا بمزاج معين ومعيار وفق الارتهان والتبعية لبرامج اخرى لا علاقة لها بالوطن والمواطن والصحة والوقاية،والدولة المرجوة، هم يبحثون عن فرص عمل واستثمار لذوي القربى والعصبة.
معظم دول العالم ترفع شعار الواقية خير من العلاج وهي استراتيجية فاعلة في تجنب انتشار العدوى لكثير من الأمراض التي تتحول إلى أوبئة وتكلف الوطن والأفراد أموال طائلة في العلاج ومحاربة هذه الأوبئة واهم وسائل الوقاية هي النظافة، والنظافة من الإيمان وعندما يضعف الإيمان فينا تتحول شوارع وأزقة المدن الى مرتع للقاذورات والحيوانات المريضة والجرذان والحشرات، الناقل الرئيسي للإمراض والأوبئة للإنسان وأهمها البعوض.
متى سنكون جزءا من هذا العالم المحترم، الذي يحترم المهمة الملقاة على عاتقة والمسئولية، ويحترم وطنة ومواطنية، النظافة ثم النظافة، ثم توفير فرص العلاج والمستشفيات الحكومية، ليجد المواطن حق العلاج وحق الوقاية معا، ليعيش في وطن غير موبوء بالعنف والأمراض والاوبئة، ودولة محترمة تحترم هذا الحق.