جيد أن نتساءل عن أسباب التراجع هنا والانسحاب ربما هناك وعن كثير مما يحدث، لكن علينا أن نعي أننا نتساءل- ونحن في قلب مواجهة كبيرة وحرب شرسة لم تتوقف بعد ولم تحسم بعد- كي نحسم الموقف لصالح اليأس من كل شيء..
إنها حرب تربص وترصد وتكتيكات حرب معنويات وصمود وقابليات حرب مفتوحة قابلة للاستعار في كل لحظة يمكنها التأجج كل يوم وفي كل مكان
إنها حرب مثابرة ومصابرة وإمكانات وطاقات وقدرات وعوامل متغيرة..
يمكن أن تؤتى جبهة قوية من ثغرة تنفتح فجأة بسبب إهمال أو قصور أو خيانات أو تساهل أو غفلة أو نقص خبرة ويمكن ان تحدث اختراقات محسوبة وذكية يتفوق عليك فيها الخصم بالإعداد وبتهيئة الظروف السانحة للهجوم والمباغتة ويمكن ان تؤتى جبهة من داخلها من ضعف عناصرها من انقسام قياداتها وتباينات تكويناتها وارتباك الإرادة وعدم وحدة القرار. ومن هشاشة الإعداد وفقر التسليح ونقص التدريب.. ومن موت المعنويات من طول التوقف والتراخي ومن سأم الانتظار ومن من عدم اليقين وضبابية الرؤية ونقصان المؤونة والشعور بالغبن والإهمال.
نحن في حرب مشتعلة لم تتوقف ونهم ساحة معركة مذ كانت ونقطة تماس خطرة كلفت الكثير ومازالت منطقة تحد وميدان اشتباك على طريق صراع كبير ممتد
وعلينا ان نعي ونحن نطرح استفساراتنا وأسئلتنا الشكاكة واتهاماتنا الموزعة هنا وهناك. أننا جزء من هذه الحرب ونتحمل الكثير فيها وهي حربنا أولا وأخيرا وهو ما يعني أننا لا نستطيع نحاكم أو ندين هذا أو ذاك على حدوث ارتكاسات عارضة هنا أو هناك ولا يمكن أن نطلق الأحكام بتخفف من يقف خارج جحيم الحرب بعيدا عن المسؤولية والمساءلة..
لا يمكننا فعل ذلك مهما حدث لأن الأمر متعلق بمصيرنا وقدرنا ووجودنا وكبريائنا ويقع. علينا واجب إعادة الروح ومعالجة القصور والتعامل مع الانكسارات والخيبات والإخفاقات مهما كانت فادحة موجعة بصبر وصلابة وبعد نظر وفعالية وذكاء وقدرة على التجاوز. واستثمار الحدث في الدفع بالروح القتالية لأعلى مستوياتها واستغلالها كفرصة لفرض تغييرات لازمة وتوفير شروط ملائمة تتطلبها المعركة.
نهم ليست الا نقطة على الطريق وكل الجبهات تظل قابلة للاختراق ومأرب ليست منيعة الا بما تتوافر عليه من عوامل المنعة والقوة والتماسك والجوف كذلك ليست في منأى عن النيران . ولا ولا احد في مأمن ولا مكان يقبع خارج المواجهة.
من المهم تحويل ما يحدث إلى عامل يقظة وانتباهة اكبر على كل المستويات وفي كل المناطق ومن المهم التركيز. على الأخطاء والاختلالات والبحث عن سبل معالجتها والعمل على دعم الجبهات وإبقاء الجميع في حالة استنفار وتحفز. وتكثير المسؤوليات على أصحاب القرار ووضعهم أمام الحقائق والاشتغال في لحظات حساسة ومهمة كهذه من أجل تجاوز. الوهدة وإعادة لملمة الصف وتعبئة الجماهير والبحث عن سبل النهوض والثبات ورفع الروح المعنوية وشحذ الهمم والعزائم والتحذير. من مغبة استمرار التساهل والوهن والركون إلى الأوهام
إنها الحرب لها منطقها وجبروتها ومفاجأتها ولها أدواءها وتعبها وضروراتها ولها رجالها وأبطالها
ولقد سال عمر بن الخطاب يوما عمرو بن معد يكرب الزبيدي فارس اليمن الكبير.: ما الحرب؟ فأجابه وهو الفارس الخبير المجرب :" إنها مرة المذاق ان قلصت عن ساق- أي إذا كشفت عن ساق.
من صبر عليها عرف ومن ضعف عنها تلف " نحتاج إلى مثل هذا الوعي في تعاملنا مع الحرب ومجرياتها ومستجداتها ودواهيها ومفاجآتها السارة والمؤلمة . الحرب كلفات وجراحات وحين يسقط المعنى تسقط المعنويات ويعلو صوت المعاناة .
قدرنا أن نخوض حربا على هذه الشاكلة نتحمل أعبائها وأوزارها كاملة ونتقاسم فيها كل شيء شئنا ام أبينا. لا يسعنا إعلان الاستسلام قبل أن نريق آخر قطرة دم، ولا يمكن لنا إشمات العدو فينا بأكثر. مما أراد
هي حربنا ونعرف كم هي نهمة وكم هي "نهم" على طريق الجائعين الوطن.
نحن نتحدث عن حرب فرضت على الجميع ودفعت بالناس من كل المستويات إلى القتال كرها وإذ خان القادة المتمرسون والمجربون وسلم الجند المحترفون وإذ تلاشى العسكر المنظمون المتدربون والخبراء أصحاب النياشين والرتب وجد هؤلاء الفرسان البسطاء أنفسهم في مقدمة الفادين وفي صدارة المشهد المقاوم وكان عليهم ان يتحملوا العبء الأكبر في هذه الحرب وان يكابدوا طويلا في ملء الفراغ وتحتم عليهم ان يدفعوا أثماناً فادحة نتيجة نقص الخبرة وندرة الخبراء
كان عليهم ان يؤدوا مهمات تأسيسية وتدريبية وأن يعملوا على إعادة تجميع القوة وبناء وحدات الجيش من جديد وهم يخوضون الحرب في ذات الوقت ويقومون بالكثير من المهام
كان عليهم تحدي انفسهم وإمكاناتهم وقبول كل ما يوكل اليهم ولم تكن الحرب الشرسة لتوفر الفرص المواتية للدراسة والانخراط في أكاديميات عسكرية متخصصة ولم تكن تلك الفرص لتتوفر إطلاقا في مرحلة كهذه.. لذا علينا أن ننظر للأمور وفق المعطيات الجديدة ونتعامل بمنظور أوسع يستوعب واقع الحرب وما فرضته من أولويات وضرورات وإكراهات تستدعي روح الإنصاف والموضوعية والواقعية في الرؤية والتعامل والحكم والانتقاد..