أثق أنه لم يكن الملفت لنظر مخبر سليمان « الهدهد « شموخ مجموعة الـ « 6 « عمدان المنتصبة أمام الشمس، أو بهو صرح المعبد الواسع بتخطيطه الهندسي بديع النقوش على الصخور المنحوتة بالصور والرموز الرهيبة، في مدينة « سبأ « عندما قَدْم وشايته التاريخية، فربما كان جن « مَلِكة النبي « قد صنعوا له تماثيل ومحاريب وجفان كالجواب وقدور راسيات « أجمل من ذلك، بقدر ما استثار دهشته ذلك الكم الباذخ من جمال « أرض الجنتين « العرش وما حوله من خضرة ونعيم مقيم، الذي عجز « الجن « من أن ينبتوا « جنات « محملة بمختلف الأزهار والفواكه والثمار النواهد في وسط صحراء خاوية، إلا من رمال عقيمة ميؤوس نفعها حتى من استقرارها لبناء عمود أعوج..
لقد أنشأ السبئيون بخبرتهم « بساتين غناء « من العدم، حظيت بتوثيق الكتب السماوية لأناقة تراص مزارعها وبديع مناظرها، وما كان لها ان تُذكر في أهم مصادر التأريخ الإنساني، أو تقارن « بالجنة « بل زاد على ذلك بوصفها « جنتان « عن يمين العرش المحسود وشماله، بل وتناثرها حوله لو لم تكن فعلا عظيمة..
والآن وبعد أن أصبحت « مارب « قبلة لكل متشبث بحريته والكرامة وبعد نكبتها الأولى، هل سيعود « الفردوس المفقود « وقد عاد سدها « الكبير « الواسع؛ لجي الأغوار والمسافات الشاسعة، وبعد عودة مكاربتها وجندها المدافعين عنها بكل بسالة مثل ما تصدروا قديما لزحوفات الفرس والرومان..؟!
يبدو أن ذلك كان حتى الأمس القريب ضربا من المحال، يَنظر الناس إلى من يتفوه به على أنه معتوه او غارق في عالم من أوهام وخيال القانط، الذي لا هدف له سوى الاسترسال بأحلام اليقظة، حتى أصبح اليوم مشروعا قائما حثيث الخطى سعيا الى بعث حضارة اندثرت بعثاث القرون المنسية، يسابق بناؤها الزمن، بين تشجير الطرقات بـ « النخيل « رمز البادية ونحت الأشكال على أشجار الزينة كتماثيل الأمس، وبين تشييد جزر بديعة من الأزهار الملونة على امتداد طرق وشوارع المدينة الباسمة بعد طول غبرة، إثر الحرمان والتغييب للأرض « الام « المعطاءة، وإنسانها المتمسك بخصاله البدوية.
اليوم هي سائرة في طريقها لأن تكون « وردة الصحراء « بلا منازع، وقد شيدت مزارعها بأنواع ثمارها الأصلية وزيادة علي ذلك صنوف من الثمار الدخيلة، فهل ستكتمل زينتها لتكن ساحرة عابقة بريح « الجوري « في حين ينتشر المئات من عمال تحسينها مع كل إشراقة صباح جديد.!
نترك الجواب للأيام..