تشرفت أخي د. ثابت الأحمدي بقراءة كتابكم "سيكولوجيا النظرية الهادوية في اليمن". لقد أحسنتم اختيار موضوع البحث وتناولتموه من زوايا مختلفة، كما أنَّ مصادرَكم مهمّةٌ لدراسةِ هذه الظاهرة، وقد ذهبتُم من تعريفِ الظاهرةِ إلى شرحِ جوانبها، وأسبابِ وجودِها، وما أحدثتْه وتُحدثُه من انقسامٍ وعُنفٍ ورفضٍ للآخر، بما في ذلك الآخر القريب "الفرع"، وما تركتْه وتتركه مع كل دورةِ صراعٍ من دماءٍ ودمار.
توارثَ الأئمةُ نظرياتِهم في بيئةٍ استقبلتها مرات، وتكيّفت معها مرات أخرى، وأصبح لها أنصارٌ ومؤمنون وهم سندها ووقودها وعمادها، هذه البيئة تشربت بثقافةٍ لم يعد العقلُ يقبلها، ومن المؤكدِ أنَّ الدينَ الصحيحَ أيضًا يرفضُها.
إنها حالة سيكولوجية تسكنُ البعضَ من المجتمعِ بفعلِ التّراكم، يُمكنُ أن نطلقَ عليها "سيكولوجيا الأتباع"، ونلمسها في اندفاعهم القوي لتمكينِ الإمامِ من رقابهم، وحريتهم. إنهم ليسوا سوى أناس مُضلَّلين ويعلمون أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، ومع ذلك يندفعون نحو الأئمة ويمتثلون أوامرَهم..!
سيكولوجيا الأتباع للإمام السيد، تستحق منكم ــ وأنتم فارسُ في هذا الميدان ــ بحثًا آخر، فالأئمةُ إنما يقاتلوننا بمن وقعوا تحت تأثير عقيدتهم من العامة الذين يعمقون دونيّـتَهم في المجتمع بدمائهم وأرواحهم، وعدًا بالجنة والرضا من الخالق حد توهمهم. يقودهم "إمام" يدعي كذبًا وبهتانًا مفاهيمَ وقيمًا ما أنزل الله بها من سُلطان.
هؤلاء لا يُقْبِلون على عبوديتِهم إلَّا لقابليّةٍ نفسيّةٍ تتصلُ بالوعي الفردي، وبالثقافةِ الجمعيّة عندهم، الثقافة التي من أركانها الدين كما عَرَفوه وعرَّفه لهم الأئمة. والمشكلةُ فيْ اليمن ــ كما خلصتُم إليها في خاتمةِ الكتاب ــ ثقافيّة، ولكنها بذاتِ الوقت في انبعاثها الأخيرِ اقتصادية وسياسية وانقسام في الصف الجمهوري، وعدم القدرة على احتواء التناقضَات.
بحثًا أراه ممكنًا ينيرُ للشباب طريقَهم، فيفهموا الإمامةَ كما فهمها النعمانُ والزبيريُّ وأحرارُ اليمن، وكما يفهمُها المقاتلون ضد الإمامةِ اليوم في مواقعِ الشّرف، بحثًا لا يتجه نحو دراسة سيكولوجيا الأئمة فحسب؛ بل يبحثُ في سيكولوجيا الأتباع والتأثير غير السّوي من الثقافة السّائدة على عُقولهم.
بحثُكم هذا يستحقُّ القراءة، ويرتقي لمستوى النقد في موضوعه، وفي مصادره، وفي القيمة العلميّة التي يقدمُها في الظروفِ الراهنة في اليمن، وأنتم باحثٌ نعتزُّ به، يجتهدُ في ظروفٍ تُعاودُ خلالها الإمامةُ حضورَها بكل ما عُرف عن الإمامةِ من عُنفٍ وعنصريةٍ وعودةٍ للجهلِ والعبوديّة.