ولو تفكر المرء ملياً وتأمل كثيراً لو جد انه مخلوق ضعيف لا يملك من أمره شيئاً، ولسمع كل ما حوله يخاطبه قائلاً
«علي ايش تتكبر»
تتكبر بجمالك وتحتقر كل من هم دون ذلك والعين فيها القذى، والفم يملؤه اللعاب، و الأذن يخرج منها الصمغ، و الأنف ينزل منه المخاط, والجسد يفرز عرقاً ذا رائحة كريهة ولو لم تغسلها لم يطق أحب الناس الجلوس جوارك، أنت لو لم تغتسل تعفن جسدك،
و إذا لم تأكل جف، وإذا لم تمتشط شعث شعرك،
ثم لو رأيت هذا الجمال بعد مرور ثلاث ليال في القبر، تتكبر بقوتك وتستعين بها على قهر الضعفاء وتظن أن لن يقدر عليك احد و حشرة كالذبابة أو البعوضة قادرة على أن تفتك بك، فالنمرود الذي طغى وتكبر وقال أنا احيي وأميت، قتلته بعوضة دخلت من أذنه فقضت عليه، بل أن الجراثيم والفيروسات التي لا تكاد تري بالعين المجردة تؤذيك وتقضي عليك.
على ماذا تتكبر، بعضلاتك, بقوتك, بقدرتك,
بصحتك، بعافيتك
وإذا قدر الله لك العافية فترة شبابك، حتماً ستدق الشيخوخة بابك فترتخي العضلات،
ويوهن العظم ويخف السمع والبصر وتذهب قوتك و لا رجوع، وإذا نجوت من كل ذلك حتماً سيداهمك الموت يوماً، فتصبح جسداً لا قوة له،
تحركه الأيادي وتقلبه وهو لا يملك من أمره شيئاً تتكبر بعلمك وعبقريتك وما هي إلا منحة ربانيه ليس لك فيها يد ولن تستطيع أن تمنع الأوامر الإلهية إذا صدرت بسلب عقلك أو فقدان ذاكرتك بسبب أو بدون سبب بحادث أو بدون حادث،
فتصبح أضحوكة وألعوبة يتسلى بها الصغار في الشوارع ولن يغني عنك علمك ولا عقلك من ذلك شيئاً فلله الأمر من قبل ومن بعد