من بين أكثر المواقف التي تسترعي انتباه المراقبين للمشهد اليمني، هي التحركات التي يقوم بها ضابط الحرس الثوري الإيراني المتواجد في العاصمة صنعاء حسن ايرلو منتحلاً صفة سفير الجمهورية الإسلامية من وجهة نظر السلطة الشرعية على الأقل.
لا يحتاج المرء إلى تبيان خطورة الدور الذي يقوم به هذا الرجل، إذ يكفي أن نعرف أنه يمثل الحرس الثوري، الذي يتحكم بالقرار السياسي والعسكري في إيران نفسها، على نحو ما كشف عنه تسجيل مسرب لوزير الخارجية الإيراني نفسه جواد ظريف وهو يشكو من تغول قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، المعروف بـ: الحاج قاسم سليمان،الذي قتلته واشنطن في 3 يناير/ كانون الثاني 2020 في بغداد.
يعطي تحرك حسن إيرلو في صنعاء انطباعاً حول طبيعة المهمة التي يقوم بها الرجل في صنعاء، فهو ضابط ارتباط قوي جداً بين طهران وقيادات الحوثيين في صنعاء، وهذا يكفي وحده لتنظيم مستويات الدعم المادية واللوجستية التي تقدمها طهران لحلفائها في اليمن.
قد لا يحتاج الحوثيون إلى أن يرصدوا تحركات حسن إيرلو إعلامياً ليقدموا أدلة مادية قوية على مدى تبعية جماعتهم لإيران، ولكن العلاقة بين الجانبين لا تنطوي على شيء يستدعي التستر. فإيران جزء من الحرب الدائرة في اليمن، وصواريخها المجنحة وطائراتها المسيرة هي التي تلعب دوراً حاسماً على مستوى المعركة الداخلية والتأثير العسكري القوي العابر للحدود الذي يمارسه الحوثيون بواسطة الأسلحة الإيرانية، لا بل أن إيران تتبرع في ترتيب بعض الهجمات المؤثرة في العمق السعودي باسم الحوثيين.
إن المغزى من التحركات العلنية للضابط السفير حسن إيرلو هو تقديم أدلة يحتاجها الحوثيون قبل الإيرانيين على أن النتيجة الحاسمة للحرب هي التي سيقررها هذا الحلف(الحوثي-الإيراني) الذي حارب على مدى ست سنوات مضت، بإمكانيات وضعها بين يديه الحمقى المحليون والإقليميون.
وهذا الحلف لا يزال ينفذ من الثغرات الخطيرة التي وفرها التحالف وشبكة ولاءته المتصارعة على الساحة اليمنية، وعدا ذلك فلم يكن تحالف طهران الحوثي ليقوى على حسم المواجهات والتحول إلى الطرف المهاجم، إذ لا يمكن تجاهل الفارق الهائل بين التحالف وبين الحوثيين المدعومين من إيران لو لا أن جزء من أهداف الحرب في اليمن يتقاسمها التحالف مع الحوثيين والإيرانيين.
لا تخجل إيران من إظهار دعمها القوي لحلفائها في اليمن، فيما تنشغل منظومة "التسقيط" السياسي والإعلامي الممولة من التحالف والتي تتوفر لها أذرع محلية قذرة، بخلق مبررات مثيرة للشفقة حول أسباب تعثر التدخل العسكري للتحالف وعدم تحقيقه الأهداف، بالتذرع أن الأمر يعود إلى أن الشرعية سيطر عليها طرف لا يرغب في إنهاء الحرب والإشارة دائماً إلى التجمع اليمني للإصلاح.
لقد كان الجزء الأكبر من الحرب التي تعرض لها الجيش الوطني والمقاومة المتسقان في الأهداف العسكرية مع الرياض، مصدرها التحالف أو التوابع الشاذة التي استزرعها هذا التحالف على الأرض اليمنية، كالمجلس الانتقالي.
فالجيش الوطني يتعرض للمستوى ذاته من النبرة العدائية والاستهداف المادي الميداني من قبل الحوثيين وميلشيا المجلس الانتقالي المدعومة من الإمارات وهو دعم إن لم تشارك فيه السعودية فهي ليست ضده أبداً.
لذا ينبغي أن نكف عن التعريض بالدور الذي يقوم به إيرلو في صنعاء، فهو متسق مع أهداف بلاده ومعركتها في اليمن، والنظر إليه باعتباره معركة قائمة بذاتها، وارتداداتها المعنوية كبيرة جداً، ولا يمكن التقليل من شأنها إلا إذا شاهدنا السفراء العرب والأجانب لدى اليمن وفي مقدمتهم محمد آل جابر متواجدين في العاصمة المؤقتة عدن، ورأينا استقراراً يشار إليه بالبنان في هذه المدينة، حيث يتعين أن يتواجد رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ويعقد البرلمان بغرفتيه (مجلس النواب- مجلس الشورى) جلساتهما في عدن.