كل عام وأنتم بخير، أعرف أنكم في هذا العيد تعيشون وضعاً مختلفاً من المحيط إلى الخليج، فالأنظار والدعاء والدموع تسيل على عتبات الصراع التاريخي المفصلي الذي يدور بين أهل الحق وأهل الباطل على أرض فلسطين.
هذه المعركة ستحدد مصير معارك عديدة تدور في أقطار عربية أخرى وبالأخص في اليمن، فهذا البلد يتعرض لاعتداء بذات القدر من البشاعة، وهدفه كسر إرادة الأغلبية المتصلة بمشروع الأمة للتحرر والنهوض والكرامة، وفي القلب منه تحرير أرض فلسطين.
ففي فجر عيد الفطر المبارك وفيما قلوب اليمنيين مشدودة نحو القدس وعزة، شن الحوثيون - وهم أقلية طائفية وُضِعتْ الدولةُ اليمنيةُ بين يديها بدعم سعودي إماراتي وبتواطؤ من الرئيس القابع في الرياض - هجومين منفصلين في كل من محافظتي مأرب وتعز، تكبدوا خلالهما العشرات من مقاتليهم، بعد أن تسببوا في قتل فرحة الأطفال وزهق أرواح بعضهم.
يعتقد هؤلاء أنهم يخوضون "المعركة الأقدس" التي أشار إليها مرجعهم في الضاحية الجنوبية حسن نصر الله، عندما حسم الجدل بشأن أولويات المنظومة الشيعية، فاليمن هي أحد أهم الأولويات بالنسبة لهذه المنظومة.
لذا شدد "نصر الله" على أن خطابه الذي ألقاه غداة التدخل العسكري للتحالف في اليمن عام 2015، كان أهم وأشرف عمل قام به في حياته، ويتجاوز في أهميته حرب تموز/ يوليو 2006، بل إنه زعم أن مظلومية الشعب اليمني تفوق مظلومية الشعب الفلسطيني.
لذا لا يجب أن تستهينوا بمآلات المعركة في اليمن، فهي مصيرية بالقدر ذاته، ومن المهم جداً أن تستعيد الأمة نفوذها في اليمن بما يتمتع به من مخزون بشري كبير، من الخطأ الفادح تسليمه إلى الأقلية الطائفية لتعيد توظيفه ضمن معركة لا تتعلق بصراع النفوذ الطائفي فقط، بل أيضاً بإعادة تعيين "المقدسات" التي يتوجب الدفاع عنها، وبالتأكيد فلا مكة ولا المدينة ولا الأقصى سيكون ضمن هذه المقدسات.
وفي الطرف المقابل ثمة من يطعن فلسطين والأمة بنصال مسمومة وسلوك وقح تجاوز كل الحدود، فقد أظهر فيديو متداول محمد محمود آل خاجة، الذي عُين كأول سفير للإمارات لدى الكيان الصهيوني بعد توقيع ما أسماه بن زايد "الاتفاق الإبراهيمي"، إلى جانب رئيس وزراء الكيان الصهيوني وهما يستعرضان خارطة للمنطقة، وبدا واضحاً أن السفير آل خوجة كان يشير إلى مناطق النفوذ الإماراتي في هذه الخارطة، ليؤكد بعدها نتنياهو جازماً أن شراكة النفوذ بين تل أبيب وأبو ظبي على الأرض وعلى امتداد هذه الخارطة سوف تتوسع لتشمل سماء المنطقة أيضاً.
إحدى النقاط التي كان يشير إليها السفير آل خاجة هي محافظة أرخبيل سقطرى اليمنية، الواقعة على المحيط الهندي، والتي تفرض فيها الإمارات والسعودية نفوذا مطلقاً بعد أن أخرجا السلطة الشرعية من المعادلة في هذه المنطقة الحيوية.
يمكن الآن فهم لماذا يحدث هذا التقاطع للمصالح بين "دول التطبيع" بقيادة السعودية والإمارات، وبين من تسمي نفسها "دول الممانعة" بقيادة إيران، تقاطع يحدث عند نقاط حيوية، وعلى رأسها تدمير مرتكزات القوة لدى الأغلبية المطلقة في المنطقة، لتبقى الهيمنة للأقليات الحاكمة الغاشمة، وللأقليات الطائفية الحاقدة والموتورة.
ما يقوم به أهل فلسطين شيء لا يصدق، هذا الكم الهائل من التحدي المترافق مع التضحيات الجسام، يندرج ضمن الحالة الاستثنائية للمعركة التي تخوضها الأمة ضد أعدائها بمختلف ألوانهم واصنافهم السياسية والطائفية، وهو أمر بالتأكيد لا يسر إيران، التي لا تريد أن تظهر في معركة كهذه خلف القيادة في غزة وفلسطين، حتى وإن كانت قد قدمت دعما لحركتي حماس والجهاد، في سياق مخططها للإمساك بأوراق قوية للتأثير في هذه المنطقة لغايات لا علاقة لها بالأقصى مطلقاً.
فإيران وهي تتربع اليوم على رأس المنظومة الشيعية تتوسل القدس ذريعة لتعزيز نفوذها في المنطقة، وأنا على يقين من أن المعركة الفاصلة في فلسطين، لن تعد بزيادة النفوذ الإيراني، بقدر ما ستدفع بالأمور إلى منتهاها بما تعنيه من استعادة للمقدسات، وإعادة الاعتبار لأهل الرباط الذين يمثلون ذروة الأمة في الثبات والإخلاص لله والتضحية والفداء من أجل مقدساته.