ما هو اقسى من الخذلان أن تجبر على إخراس وجعك وأن تتألم بصمت وحسرة وأن تضيق امامك الخيارات حد أن تصعب عليك حتى الشكوى .
هذا واقع حالنا عموما اذ نخوض حربا من اجل وطن مثخن قادته الخيانات والتواطئات والمؤامرات الى هذا المآل ولم يبق الا أن يتحمل عبء المقاومة فيه بنوه الوطنيون الخلص في ظل انكشاف عام ومحدودية وندرة في كل شي وضمن شروط غاية في القسوة
وتحت ما تبقى من المشروعية
النقاش حول ملف الجرحى موجع ويشعرنا بالخزي امام هؤلاء الفرسان النبلاء الفاديين الكبار .
وأكثر ما يجرح ويعمق الجرح تحويلهم الى مادة صراخ وعويل وندب وموضوع اشفاق وخذلان.
بحيث تهزمنا جراحاتهم بأكثر مما أرادوا الانتصار،
قدرنا ان نتعامل مع موضوع الجرحى بحساسية عالية، وكياسة، وحصافة ورهافة وتمجيد، وبما لا يجهض الروح الباسلة .
مهم ان تتشكل اطر رسمية للتعامل مع هذا الملف ومهم ان تضغط هذه الأطر على اصحاب القرار وتصل الى ابعد مستوى في تبني هذه القضايا ضمن محيطنا الشقيق المتحالف معنا في هذه المحنة الكبيرة
من غير المنصف أن نقاتل عن شرعية لا تقوم بأدنى متطلبات حماية ذاتها ومواطنيها المدافعين عنها كتجلي وجود وبقاء .
هذه اولوية وطنية وعسكرية وسياسية واجتماعية نظرا لاتساع الجراحات وتعاظم ضحايا الحرب
من الخطورة تحول هذه القضية الى المجال العام وتناولها اعلاميا بصور تعمق الهزيمة والانكسار يجب ان يقال للرئيس ورئيس الحكومة وكل المعنيين: هل تريدون تحويل هؤلاء المقاومين الى عامل احباط وأسف وندم وموضوع شماتة ووصمة عار وفضيحة ؟ وكيف سينظر لكم اذا كنتم تخذلون انفسكم والوطن على هذا النحو؟ يجب ان يقال لهم انتم تصعبون الأمور علينا وعليكم.
الحلول الترقيعية والأداءات المنهكة ستظل عاجزة مهما كانت هذه قضية بلد ودولة
كم ستكون مأرب و تعز وكم سيكون القتيل والجريح وكم سيكون المجتمع المقاوم ؟
من الصعب ان يقوم المقاومون بكل الأدوار
بحمل السلاح وتضميد الجراح وتوفير الرصاصة واللقمة
هذا ملف سياسي وعسكري بامتياز يجب ان يطرح بقوة ويتعامل معه بدون اي تراخي
الشهداء والجرحى عناوين مجد ورفعة، رموز فداء وكبرياء، دافع انتصار، أبطال متقدمون، ومن المجحف والصادم أن يصيروا شكاوى مرة وبكائيات مؤسفة وملفات مسكونة بالوجع والإحباطات.
ضعف وغبش الرؤية وقصور آليات المعالجة لقضايا الشهداء والجرحى دليل فشل يوجب الاعتذار وإعادة الاعتبار. تركت هذه القضايا من قبل قوى ومنظومات الفعل الثوري والمقاوم وأهملتها النخبة السياسية الحاضنة حتى صارت حاملا للسخط والشعور بالخيبة، تم تركها للاجتهادات والجهود الخيرة الفردية والجماعية التي تعاملت معها ربما بذهنية سطحية قصُرت عن استيعاب ما هو جوهري، وعجزت عن خدمة ورعاية المعنى الكبير فيما تقدمه من خدمات للباذلين الكبار الذين بلغوا منتهى البذل والعطاء.
وبدلاً من إبقاء قضايا الشهداء والجرحى ضمن روافع القوة ودوافع الفعل غدت جزءاً من ركام اليأس، مدعاة وهن وامتعاض الوسائل والآليات المجتمعية التي تأسست للتعامل مع هذه القضايا وفق النظر في العمق تبدو عناوين فشل وارتباك أعيد فيها تأطير الشهادة والجرح المجيد في رتبة أدنى وأقل مكانة وكرامة تخفض من المعنى والقيمة بحسب مقتضيات مشروع الصدقة وفعل الخير وميول الداعمين المأمولين.
عائلة الشهيد الجائعة للوطن، أبناء الشهيد المضحي بروحه كي لا نستمر في الحرمان والجوع والقهر والضعة والهوان.
ينتهي بهم الأمر الى أن يصيروا أفواهاً مفطورة وبطوناً خاوية تنتظر الفتات، هنا يبرز فقر المنظور وفقر العمل، هنا تبدو الفاقة حالةً مستبدة مسيطرة قادرة على إفقار كل ما هو غني وثري وباعث على الامتلاء.
هناك جهود مقدرة تبذل دون شك لكنها تظل اقل مما يقتضيه الوجع .
تم تقزيم قضيتي الشهيد والجريح وهما من القضايا المفصلية المتعلقة بجوهر الثورة ونوابضها الأساسية. احتضانهما يجب أن يكون في مستوى الوطن تعظيماً وتكريماً لا تحجيماً وتحطيماً، تمجيداً وتقديراً لا توهيناً وتحقيراً.
تتراجع القضايا العظيمة بانحسار الرؤية وضغط الضرورات، ويتم تبخيس الروح الفداية بإسقاط المعنى من خلال هذه الأداءات الكليلة الترقيعية أو الخطابات المستجدية المسيئة التي لا تحسن حفظ المجد ورعاية العظمة وانما تقتل المعنى وتعمّق جرح القيمة.