البنوك المركزية في أي بلد مسألة دولية كما هي محلية ترتبط بصندوق النقد والبنك الدوليين وغيرهما من المؤسسات الدولية. ومن المتعارف عليه أنّ مخالفة سياساتها من قِبل اي طرف جُرم في القوانين المالية للبلد، من جهة، وللتشريعات المالية العالمية من جهة أخرى. ويجب أن يضغط المجتمع الدولي لوضع حدٍّ لذلك، من منطلق أنها تربط اقتصاد البلد بالعالم وتنظم علاقاته معه وتخضع لمعايير دولية مُنظمة، تُجرّم العبث بالسياسات الاقتصادية لكل بلد وتصنفه ضمن محرّمات العمل المالي والمصرفي التي يجب التصدي لها، بغضّ النظر عن موقع الدولة أو مكانتها، سواء كان ذلك في حالة الحرب أم في حالة السلم .
في اليمن، بلغ العبث مستويات لا يمكن السكوت عنها، لا سيما بعد أن أصبحت قيمة وحدة النقد في مناطق سيطرة المجلس السياسي من الفئة ذاتها أكبرَ منها في مناطق سيطرة الشرعية والمجلس الانتقالي.. وبالرغم من أن ذلك يمثل "إهانة" لإدارة البنك المركزي اليمني وللحكومة الشرعية معاً وانتقاصاً من مكانتيهما، فإنه يعكس حالة التخبّط السياسي الدولي حيال ما يجري ويُحتّم التحرّك العاجل لإيجاد الحلول التي تحُدّ من هذا التفاوت في العملة المطبوعة بإشراف دولي، بموجب قانون البنك المركزي نفسه، والصادرة عنه، سواءً عندما كان في صنعاء أم بعد نقله إلى عدن .
المجلس السياسي يتحمل مسؤولية الانهيار الاقتصادي، بعد سحب العملة المطبوعة حديثاً وما ترتب عن ذلك من مضاعفات أدّت الى ارتفاع سعر الصرف في المحافظات الخاضعة لسيطرة الشرعية والانتقالي، وخلّف فجوة اقتصادية تَرتّب عنها انخفاض التحويلات النقدية بين الطرفين وانخفاض معدل "دوران" النقود في الشمال، بسبب عدم صرف المرتبات طوال عدة شهور، واستغلال الأزمة المالية لتهريب العملة الصعبة، بالإضافة إلى الأنشطة التجارية التي تصنّف ضمن اقتصادات الظل أو اقتصادات السوق السوداء.. ما نتج عنه احتكار النقود بالعملات المحلية والأجنبية على حد سواء، وتغنّي إعلامهم بثبات سعر الصرف نسبياً. وما استقرار أسعار الصرف التي يتغنّون بها إلا فقاعة سببها عدم الوفاء بالالتزامات القائمة عليهم، وفي مقدمتها المرتّبات والأجور والنفقات التشغيلية، إضافة إلى التشريعات التي أهلكت الحرث والنسل، وأولها تعويم أسعار المشتقات النفطية، وعملية نهب مدّخرات البلد، ما أدى الى " تآكل" الاقتصاد من الداخل، في ظلّ غياب الرقابة الفعّالة على موارد الدولة وأصولها وانهيار البنية الأساسية للكثير من المرافق .
يجب على إدارة البنك المركزي اليمني إصدار تعميمٍ يقضي بالمساواة بين العُملتين، القديمة والجديدة، من الفئٔة نفسها، ومعاقبة من يخالف ذلك أو ينتقص من قيمة العملة الوطنية المطبوعة حديثاً لأيّ سبب كان، لأن عدم وجود ضوابط تنظم العملية المالية والمصرفية سيقود الجميع إلى كارثة اقتصادية لا تُحمد عُقباها .
تضاف إلى ذلك المسؤولية التي تقع على عاتق المواطن، والتي تُحتّم عليه التعامل مع نقود بلده بقيمتها المسجَّلة؛ فمن غير المنطقي قبول النقود القديمة بأكبر من القيمة التي صدرت بها في الأماكن الخاضعة لسيطرة الشرعية. كما يجب عليه التعاون مع أجهزة الدولة في التبليغ بأي مساس بسيادية الدولة بخصوص العملة، وعدم التستر على أية خروقات تؤدي الى انتشار السلوكات السلبية في التعامل مع النقد المطبوع بصفة قانونية .
إجمالاً، بما أن المركز المالي اصبح في عدن فإن قراراته وتوجيهاته تصبح نافذة، وأي انحراف عنها يُعدّ خرقاً للسياسات المالية للبلد. ويجب التعامل مع المتلاعبين بأسعار الصرف بجدية أكبر والضغط على الإدارات العامة للكيانات المالية التابعة للدولة وتكييف سياساتها مع سياسات البنك المركزي، وإلزام الصرّافين بعدم تجاوزها أو التعدي عليها، وحث الأجهزة الرقابية على القيام بواجباتها إزاء هذه المسألة الحسّاسة للاقتصاد الوطني.